
عبدالله النيباري
نائب سابق
عندما يتناول كاتب ما قضية تلامس شخصه، فإن ذلك قد يُثير شيئاً من الحرج، وربما يقع في محذور تزكية الذات، والعياذ بالله.
المسألة في ما يلي تتعلق بردود الفعل لدى أوساط المجتمع الكويتي، إزاء قضية العفو عن استكمال عقوبة السجن المؤبد للمواطن سلمان أحمد الشملان، وفقاً للحكم الجزائي الصادر من القضاء في قضية محاولة الاغتيال، التي تعرضت لها شخصياً وزوجتي في 6 يونيو 1997.
موافقة
وقد جاءت الموافقة على العفو، بناءً على اتصال من سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، عبر رسائل نقلها إليّ الأخوان يوسف النصف ود.يوسف الإبراهيم، بأن صاحب السمو، وبناءً على رجاء من أقارب السجين، وتقديرا لظروف عائلية، يتمنى وينصح بالموافقة على إصدار عفو عن قضاء بقية مدة الحكم، وبناءً على ذلك، وبالتشاور مع عائلتي وأقاربي وإخواني في المحيط السياسي، أبلغت الأخوين يوسف النصف ود.يوسف الإبراهيم، بأنه تقديراً لاهتمام صاحب السمو، فإنني أتقبل نصحه الكريم، وأرسلت بناءً على طلبه كتاباً بذلك، وقد تفضَّل سموه، بإرسال كتاب شكر، أكد فيه أن اهتمامه بالأمر، والاستجابة بالقبول، جسدا روح التسامح والعفو والتراحم، التي جُبل عليها أهل الكويت.
وفي الأسبوع قبل الماضي، زارني في الديوانية مجموعة من رجال عائلة الرومي الكرام، بصحبة الأخ سلمان الشملان، لتقديم الشكر والاعتذار، وحضر اللقاء جمع من الأصدقاء، على رأسهم د.أحمد الخطيب، تم فيه تبادل الكلمات، وكان هذا اللقاء بترتيب مع الأخ د.غانم النجار، الذي رأى أن للموضوع أهمية وبُعداً اجتماعياً وسياسياً، ويجب أن يكون علنياً، تحضره الصحافة ووسائل الإعلام، وألا يكون لقاءً خاصاً فقط، وقد كان ذلك، ونشرت بعض الصحف وقائع هذا اللقاء.
ردود الفعل
إلى هنا، كان الأمر يؤخذ باعتباره قضية شخصية، لكن ما أدهشني وأخجل تواضعي، لدرجة الإحراج، هو ردود الفعل لدى الكثيرين من أوساط المجتمع الكويتي، ممن اتصلوا أو التقيتهم في الدواوين أو مصادفة في أماكن أخرى، ومَن تفضَّل وكتب حول الموضوع.
وقد شعرت أن تعبيرهم يتجاوز المجاملة أو التقدير الشخصي، بل إن كثيرين عبَّروا عن الأمر، بإعطائه بُعداً أخلاقياً واجتماعياً وسياسياً.
الانتصار لقيم التسامح
أخلاقياً، اعتبر الأمر إعلاء وانتصاراً لقيم التسامح والتصالح والتراحم في بلدنا، بدلاً من قيم الثأر ونزعة الانتقام في أجواء تسودها الفرقة والتصلب والتعنت في المواقف، وما ينتج عن ذلك من تشاحن وتنابذ، ما أدَّى إلى تغييب روح التضامن والتعاضد والمرونة في المواقف، والتقييم الموضوعي للأمور، من دون التخلي عن المبادئ الأساسية.
سياسياً، قرأها كثيرون أن صلابة الموقف في التصدي لقضايا الوطن، وعلى رأسها مسألة الفساد الذي استشرى في البلاد على كافة المستويات، وهو تصدٍ لا يأبه ما إذا كان يعرّض صاحبه للمخاطر، ولا تثنيه رسائل التهديد عن مواصلة رسالته في خدمة قضايا الوطن والمواطنين بأمانة وصدق.
في سلوك هذا الطريق، يستذكر الناس ما تعرَّض له الأخ حمد الجوعان من اعتداء غادر أدَّى إلى إعاقة كاملة شلّت نشاطه كلياً، وفقد البلد إسهاماته في الحياة العامة.
حملة تصفيات
تذكرت تلك الليلة عندما جاءني الأخ الفريق محمد عبدالعزيز البدر، وقال لي إن ما تعرَّض له حمد الجوعان أمر خطير، وقد نواجه حملة تصفيات للعناصر الوطنية، وطلب مني الاتصال بالسفيرين الأميركي والبريطاني، وإبلاغهما بخطورة الوضع، والتأكيد على مسؤوليتهما في حماية أمن البلد وأمان المواطنين، باعتبارهما يمثلان الجهتين اللتين تسيطران على البلد، بعد دخول القوات الأميركية، وقبل عودة حكومة الكويت من منفاها في السعودية، وبناءً عليه، قمت بزيارة السفير الأميركي، آنذاك، ولسن هوويل، والسفير البريطاني مايكل ويستون، وأبلغاني بأسفهما لما حدث للأخ حمد الجوعان، وأنهما يأخذان الأمر مأخذ الجد، باعتبارها بادرة خطيرة.
رغم عظم المصاب في ما تعرض له الأخ حمد، فإن الأمور مرَت بسلام في تلك الأيام، لكن ما تضمره قوى الشر بقي كامناً إلى يوم الحادث عام 1997، وقد سبق ذلك محاولتان لتنفيذ عملية الاغتيال، كما جاء في التحقيق حال دون تنفيذهما وجود أشخاص آخرين معي، وقد علمت في ما بعد أن التهديدات وصلت إلى آخرين من نواب مجلس الأمة، رفاق الدرب، إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم، وأُطلقت العشر رصاصات، وكادت تقضي على شخصي وزوجتي.. ولولا أننا أوصلنا إحدى بناتنا لصديقاتها، لنالها نصيب من تلك الرصاصات الغادرة، التي أطلقت من مسدس «رشيش خاص»، علمنا بعد التقصي من أصدقائنا في الحزب الاشتراكي الفرنسي، الذي كان في الحكم، آنذاك، أن المسدس «الرشيش» أصله ألماني، ولا يُباع إلا للحكومات، والشركة الألمانية الصانعة بيعت لشركة فرنسية لها علاقة بوزارة الدفاع الفرنسية، لكن أصدقاءنا في فرنسا لم يستطيعوا الحصول على معلومات أكثر من ذلك.
لا حقد ولا انتقام
على كل حال، ومع كل ذلك، لم أشعر يوماً بالحقد، ولم تخالجني للحظة نزعة الانتقام، وفي ردنا على الوساطات التي لم تنقطع يشهد على ذلك الأخ عبدالله الرومي، الذي كان يبلغني، مراراً، باعتذاره عن قيامه بالتوسط،
وكان ردنا للوساطات ممن طلبت العفو الإفصاح عن الطرف أو الأطراف المحرضة، وقد أشار الأخ محمد الصقر إلى ذلك في خطابه في مجلس الأمة. وتحقيق النيابة في الكشف عما إذا كان هناك آخرون شركاء في التدبير للاغتيال لم يسعف، فقد انحصر التحقيق في ما جرى يوم الحادث فقط، ولم يمتد إلى مَن كانوا على اتصال بالمنفذين يوم الحادث واليوم السابق له.
لم نتعامل، لا أنا، ولا الأصدقاء في المحيط السياسي، على أن ما جرى قضية شخصية، رغم ما أحدثته من إعاقة جسدية جزئية، بل كنا ننظر إليها على أنها قضية سياسية تتعلق بالشأن العام.
وهنا، أتذكر كلام سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، عندما زرته بعد العودة من العلاج، حيث قال لي: «إن ما آلمني، هو أن يكون الاعتداء من شخص كويتي ضد أخيه الكويتي»، وهو ما يمكن تفسيره بأن البُعد الاجتماعي كان أشد إيلاماً من الجانب الشخصي.
نقلا عن جريدة الطليعة