
حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي
من عاداتنا العربية البالية، أن يأمر زعيم القبيلة بنفي أحد أفرادها خارج حمى القبيلة، حال ارتكابه ما يخالف أعرافها ويتنافى مع قيمها السلوكية والتقليدية، لدرجة أن بعض قوانين التشريع الجنائي الإسلامي أخذت بهذا التقليد، فأمرت بنفي قاطع الطريق إلى خارج مجتمعه، ولكن لفترة محدودة، وضمن بلاد الإسلام نفسها.
حالياً، حكام الإقطاعيات العربية عندما أفلسوا وفشلوا في مواجهة أحداث الربيع العربي أو الشعب يريد أن يحكم، وتضعضعت كراسي أنظمتهم استمدوا من تاريخنا العربي – المتخم بأمثلة هدر كرامة وحقوق الإنسان- بعض قوانينه العشائرية، فأصدرت السلطات الخاضعة لجبروتهم فرماناتها بسحب وإسقاط جناسي بعض مواطني دولهم، ليمسوا أغراباً في أوطانهم وبين أهليهم.
هذا العقاب الفردي أو الجماعي ليس بالقرار الهيّن، خصوصاً في أواننا هذا، باعتباره سلباً لكافة الحقوق المدنية التي يتمتع بها المواطن، فكيف للمواطن أن يسير ويتنقل في أرجاء بلد أجداده وهو لا يحمل أياً من الإثباتات الشخصية لذاته، ويضحى نكرة بين جماعته؟ أمر في غاية الصعوبة لمجرد تصوره.
الأنظمة العربية تتعلم «فنون العقاب» من بعضها؛ قطر، السعودية، الكويت، البحرين، الإمارات وعُمان.. تتعهد بالخطى نفسها بالتهديد بسحب الجناسي من مواطنيها، حال التمادي باعتراضاتهم على السياسات العقيمة لحكوماتهم.
آخر هذه القرارات الجائرة، قرار سحب جناسي ٧٢ من المعارضة البحرينية، بسبب ممارستهم لأنشطتهم السياسية والإعلامية التي كفلها دستورهم.
تلك القرارات المخزية بحق النظام البحريني ليست الأولى، فقد سبقتها قرارات مشابهة قبل سنوات قريبة، قرارات تعسفية لا تستند إلى أحكام قضائية تسبقها تحقيقات جادة حيادية بصواب التهم الموجهة للمعارضين، كل ذاك إعمالاً وضماناً للعدالة، ومنعاً للتجني والظلم على الأفراد.
المؤلم أن دولنا الهشة في كل المناحي، وقّعت أغلبها على العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية لاستكمال صورة مدنيتها المزيفة، المدنية الراقية لن تنضج في مجتمعاتنا، لأن أنظمتنا المسيطرة مازالت حقيقةً متأثرة بتاريخ المقاطعات والولايات، فلكل والٍ مقاطعته العربية المستقل هو بها وليست المستقلة، يتقلب في شؤونها كما يشاء، ويتصرَّف بحال الشعب ومصيره كمن يتملكه.
قرارات سحب الجناسي في كل الدول الخليجية فيها جور شديد، وإضرار بمصالح المواطنين، وتشوه سمعتها بالخارج، ويكفي استنكار العديد من المنظمات الإقليمية والعالمية لتلك القرارات، فهناك بون شاسع بين مَن يخون بلده، وبين مَن يمارس مسؤوليته وحقه بالاعتراض على تسلط وقهر الأنظمة.
القرارات غير القانونية لسحب الجناسي في كافة دول الخليج وصمة عار في جبين الأنظمة الرجعية، وعلامة على تخلفها الإنساني والقانوني، ما لم تسحب تلك القرارات وتلغى تبعاتها، ويسترجع المتضررون جناسيهم، وقبلها حقوق الشعب لكافة الشعب.
نقلا عن جريدة الطليعة