تمر الكويت في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها بموجة كبيرة من التراجع والتدهور على الصعيدين السياسي والإداري للدولة، وبات تاريخنا الوطني يسجل – وبتكرار – التعديات الواضحة على الحريات العامة التي كفلها الدستور من خلال استخدام أساليب متنوعة لمعاقبة قوى الإصلاح والشخصيات الوطنية التي عبرت آرائها بأشكال مختلفة وفق ما هو متاح من وسائل التعبير السلمية المتاحة، سواء أكانت بالخطابة المباشرة في الأماكن العامة أو الخاصة، أو الكتابة واللقاءات المرئية والمسموعة، التي لم ينكر أصحابها فعلها أو التراجع عنها باعتبار أنها تمثل آرائهم.
وبغض النظر عن قبول وتأييد هذه اﻵراء أو رفضها، إلا أنه يجب أن نعي وندرك ونقر بحق المواطنين، أفرادا كانوا أم جماعات أو هيئات، بممارسة حقوقهم الوطنية والدستورية والإنسانية بالإفصاح عن آرائهم والصدح بها، فهي بشكل أو بآخر تمثل إحدى صور التعبير عن الرأي العام للمجتمع.
ولكن، أن تمارس السلطة أساليب الضغط والترهيب لمن لا تتفق مع رأيه وتقوم بتوجيه التهم له بانتقائية واضحة، وبمخاصمة مباشرة، دون الالتفات لجوهر الأمر والبحث في أسباب الاحتجاج لهو الجرم اﻷكبر بحق الوطن، ومكابرة وإصرار على المضي بالتخبط والتراجع اللذان نمر بهما على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
لقد قلناها مرارا وتكرارا، أن أسباب التشنج والانقسام الحاد في المجتمع حول الأدوات المستخدمة في التعبير والاحتجاج جاءت نتيجة للممارسة غير حكيمة وغير الرشيدة للسلطة التي أصرت على الابتعاد عن الحقيقة، وعدم معالجة الخلل ومحاسبة المخطئ من طرفها أو من حلفها والموالين لها، كما أنها لم تحرك ساكنا للدفاع عن مقدرات الأمة وحقوقها، فاستبيح المال العام وضاعت سيادة الدولة وهيبة القانون.
لقد أدخلت السلطة نفسها طرفا في الصراع والمواجهة مع المجتمع، تهاجم طرفا وتصادق طرفا لتخلق فجوة وخلاف بين أطيافه، وجندت أطرافا أخرى لاستفزاز المعترضين وتوصيفهم وصفا إقصائيا ما ساهم بخلق حالات خصومة ومواجهة بين مكونات المجتمع غير عابئة بسلامة واستقرار الوطن، وانعكس ذلك على وحدة الأمة التي هي صمام أمان بقائها، ولهذا نراها بدلا من أن تقوم بتوجيه التهم أو المطالبة بتحقيق ورد اعتبار للدولة من سراق المال العام والمتخاذلين من أداء دورهم التنفيذي والسياسي من أصحاب الرشاوى والواسطات والشللية، والمستفدين من مناصبهم العامة والمعيقين لأداء الدولة، نجدها تتجه لمخاصمة المحتجين من المواطنيين على تردي الاوضاع.
وها هي، مجددا، تتعدى على الدستور وتتجاوز على الحقوق العامة والسلطات بإسنادها مهام السلطة التنفيذية للديوان الأميري للقيام بتنفيذ مشاريع الدولة والإشراف عليها تحت ذرائع تؤكد ما ذهبنا إليه والمحتجون من المواطنين الذين يحاسب البعض منهم اليوم وفق أحكام قضائية واجبة التنفيذ لسنا بصدد استنكارها أو رفضها، كالتي صدرت بحق الأخ مسلم البراك الذي حكم عليه بالسجن لمدة سنتين لقيامه بخطاب سياسي علني عبر به عن رأيه، وشاركه آخرون في ظروف آخرى من الشخصيات السياسية والنواب السابقين والمغردين الشباب والكتاب والإعلاميين، الذين قاموا باستنكار واحتجاج لما يحدث بالبلد من تدهور، يؤكد على ضيق السلطة من الآراء المخالفة لها.
ونحن في المنبر الديمقراطي الكويتي إذ نعبر ونسجل تضامننا الدائم مع أصحاب الرأي بكافة أطيافهم بحقهم بالتعبير عن ارائهم وفق الطرق السلمية المتاحة دونما التجريح والإساءة الشخصية، لنؤكد على أهمية التحام الأمة بكافة قواها وفئاتها وتنظيماتها السياسية لمصلحة الوطن وشعبه، وحماية وصون حقوقه ومستحقاته التي كفلها الدستور، وضرورة الالتقاء للاتفاق على خارطة طريق تنتقل بالوطن إلى مساحة آمنة توفر النهوض من جديد لوطن آمن وديمقراطي، مبتعدين كل البعد عن التفرقة غير المبررة بكافة أشكالها البغيضة الطائفية والقبلية والعنصرية، وهذا ما نسعى إليه منذ مدة ولازلنا نؤمن بضرورة تطبيقه.
والمنبر الديمقراطي الكويتي إذ يستذكر الأعياد الوطنية المجيدة وعيد التحرير والدور البطولي الذي قام به كافة أفراد الشعب الكويتي بمختلف مكوناته وأطيافه الاجتماعية، فإنه يرى أنها مناسبة ومدخل ودافع للإصلاح الشامل وتوفير المناخ السياسي السليم لخلق بيئة مشتركة تحقق الطموح الشعبي والتطلعات الوطنية نحو نظام ديمقراطي يشارك فيه الجميع دون إقصاء.