علي حسين العوضي: العرب الجدد.. جيل الألفية

علي حسين العوضي الأمين العام المساعد

علي حسين العوضي
الأمين العام المساعد

خلال الفترة من 23 فبراير إلى 1 مارس 2015، نشرت جريدة القبس ترجمة لأجزاء أو فصول لأحد الكتب، التي تتناول منهجية ورؤية التغيير التي اجتاحت العالم العربي منذ عام 2011، في الوقت الذي أطلق على هذا الحراك «الربيع العربي».

فإلى أي مدى وصل هذا الربيع؟ وما الأسباب التي أدَّت إلى حدوثه؟ وما مكوناته ومحدداته؟ وما الأدوات التي استخدمها الشباب فيه؟

أسئلة كثيرة قد تجوب في مخيلتنا، وترسم ملامح لإجابات متعددة، في مقدمتها، أن الوسيلة التي كانت الأكثر نجاحاً في تحريك مختلف قطاعات المجتمع تمثلت في «وسائل التواصل الاجتماعي» وبالذات «فيسبوك»، إلا أن الأهم من ذلك يبقى الأسباب الكامنة التي لا يزال البعض يحاول الالتفاف عليها، والانقلاب عليها.

ومن هنا، تأتي أهمية كتاب «العرب الجدد»، للمؤرخ الأميركي خوان كول، والسؤال المحوري الذي تصدر غلاف الكتاب: كيف غير جيل الألفية الشرق الأوسط؟

حدد المؤلف عدداً من العناصر المهمة، التي أدَّت إلى ثورة الشباب، أهمها البطالة لدى الشباب العربي، نتيجة لفترة الكساد، فارتفعت نسبة البطالة إلى معدل عالٍ، وصل إلى 23 في المائة، أي ضعف المعدل العالمي، ويرجع ذلك إلى «التضخم الشبابي» الكبير، وعدم قدرة الحكومات والأنظمة على توفير فرص العمل لهم، في الوقت الذي انخفضت فيه معدلات الاستثمار في العالم العربي، بسبب تفشي الفساد و«رأسمالية المحاباة»، وغيرها من الأسباب.

ومع التطور التكنولوجي الواسع، الذي ليس بقدرة أحد السيطرة عليه، حتى وإن فرضت عليه رقابة وحجبت المواقع على الإنترنت، فإن الشباب غلبت عليهم مسألة تبادل المعلومات، من خلال الرغبة في المشاركة، وانتقاد ما يرونه غير صحيح.

يُضاف إلى كل ذلك، المؤثرات الخارجية، التي ألقت بظلالها على الجيل الشبابي الجديد.. هذا الجيل الذي ولد معظم أفراده في منتصف سبعينات القرن الماضي، وتشكَّل وعيه السياسي في أوائل سنّ المراهقة، حيث شهد تحولات عدة، بدءاً من انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، إلا أنه في المقابل بات أكثر إصراراً على الدخول في تجارب للأفكار الجديدة، مثل الاشتراكية، والاشتراكية الديمقراطية، ومناهضة مبدأ سيادة السوق والطبقات الرأسمالية.

وتوقف المؤلف خوان كول أمام مسألة في غاية الأهمية، تتمثل بأن هذا الجيل كان محاصراً من قِبل أنظمة سياسية مغلقة هرمة تحوَّلت إلى «حكم الأقلية»، وهي تفتقد الشرعية الناتجة عن السيادة الشعبية، وباتت السلطة السياسية محصورة بفئة صغيرة من المجتمع، فلم تعرف هذه الأنظمة المبادئ التي تنادي بها، وظل التناقض قائماً بين ما يردده السياسيون (القلة المسيطرة)، وما احتوته الكتب المدرسية حول الرعاية الاجتماعية والمفاهيم الوطنية، وبين الواقع المر لدولة النيو- ليبرالية الفاسدة البوليسية، وبات جلياً لهذا الجيل، أن هذه الاتجاهات من السياسات التي تدعمها واشنطن ولندن والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

لقد أفرز هذا الأمر واقعاً، تمثل بأن العديد من البلدان تعمل على توزيع الدخل نحو «الأعلى»، أي تجاه ذوي الثراء الفاحش ومؤسساتهم، وتقليص نصيب الدخل الوطني لفئات أسفل المجتمع، ومع تبني التوجه نحو الخصخصة تحوَّلت الدولة إلى مؤسسة يسيطر عليها الغرب، وتدار لمصلحة الأسرة الحاكمة وأزلامها، وبات المجتمع يتجه نحو المزيد من عدم المساواة، وتم الحفاظ على دولة الاحتكارات بواسطة جهاز ضخمم من شرطة المباحث وممارسات الرقابة والتعذيب، لذلك جاء شعار «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، الذي نادى به الشباب الثوري عام 2011، في محاولة لإقامة ائتلاف سياسي.

لقد تميَّز جيل «العرب الجدد» بأشكال خاصة من المرونة والاتساع السياسي، مع انتشار التعليم، أضف إلى ذلك الائتلافات السياسية التي نجح هذا الجيل في تكوينها، على الرغم من الفجوات الكبيرة بين جماعات اليسار الليبرالية وأحزاب الإسلام السياسي عندما اتحدوا ضد قمع الدولة البوليسية والتعذيب والفساد.

أخيراً، الثورة تعد تغييراً سياسياً منهجياً سريعاً، بعد حراك اجتماعي، في الوقت الذي تستمر فيه لتحقيق الإصلاحات الحقيقية والمشاركة المجتمعية، للوصول إلى ديمقراطية سليمة.

 

 

نقلا عن جريدة الطليعة