حبيب السنافي: تزوير وتزييف

حبيب السنافي عضو المكتب السياسي

حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي

العملة المزيفة لا تساوي في قيمتها شيئاً.. ولأن مَن يدفعها ينوي أن يأخذ شيئاً من دون مقابل، لذا، فهي منبوذة، ويجرم التعامل بها.

في مجتمعنا، تتعامل الغالبية بالمشاعر المزيفة.. تجامل، تداهن، تخفي مشاعرها السلبية، حتى إذا ما حانت ساعة الحقيقة والمصداقية، رأيت الأنياب مكشرة، لتصدمك بكائن آخر، مختلف تماماً عمَّا كنت تعرفه.. شخص يتربَّص بك الدوائر، وينسى لك العِشرة والجيرة والفضل والوفاء.

هذا التزوير والنفاق الاجتماعي، هل يؤثر فينا أو نعاني تبعاته؟ لا شك عندي في ذلك.

التزوير غدا سلعة الأفراد والحكومة، على السواء، فشبابنا يسعون لامتلاك  الشهادات الدراسية المزورة، بأرفع مراتبها، والمرضى يزوّرون بالتمارض، ليتسنى لهم التسكع بأروقة المجمعات والتسلي بالنرجيلة.

مَن المسؤول؟ وواجب مَن التصدي، لتمادي التزوير والتزييف في سلوكياتنا اليومية ومعاملاتنا الرسمية وخطاب الحكومة ونوايا المعارضة و….، ليطلق جرس الإنذار، بأننا شعب بدأ يفقد شيئاً من جوهره وطبيعته وعفويته؟

لا ينأى التزوير بعيداً عن أوضاع وأوجاع حكومتنا، فهو بضاعتها المزجاة.

فماذا نقول عن تصريح مسؤولي المنافذ والحدود، باستعدادهم وتحضيرهم للتفتيش والمراقبة، ونفاجأ بدخول كل أنواع المحرمات والممنوعات؟! أو عندما يصرح قياديو وزارة الكهرباء، بجاهزيتهم للصيف اللاهب، فتنقطع الكهرباء عن بعض المناطق، مع العلم بوجود نصف المقيمين خارج البلاد؟!

أما مسؤولو النفط، فبيانهم، أن خللاً فنياً ما وقع في مصفاة الشعيبة لم يطل كثيرا، لنكتشف أن وحدات المصفاة  انتهى عمرها الافتراضي، مع العلم بأن ميزانية شركة البترول الوطنية بمليارات الدنانير.

الخطاب الديني نفسه طاله التزوير والتدليس، فوزارة الأوقاف تكفلت بهدر ملايين من المال العام، بمسمى برامج الوسطية، لنصدم بخبر انضمام فلذات أكبادنا إلى معارك طائفية وحروب أهلية، لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ونشاهد كيف تزوّر وتختزل الروح الوطنية، بالأناشيد والشعارات، فيما يقتني شبابنا السلاح، ويخزنونه ليوم ما ولجرمٍ ما، لا نفقه كنهه ولا عاقبته.

ألا تخجل حكومتنا من التزوير والتسويف في إصلاح المناخ الاقتصادي، وبث الروح الهامدة في اقتصاد يتهاوى أمام ناظريها، مع صراخ المستثمرين، لضياع مدخراتهم، والتأكيد على أن نسبة 70 في المائة من الأدوات الاقتصادية تحت إدارتها؟

أين المصداقية عند الحكومة، في إيجاد بدائل استثمارية لدعم الموازنة العامة المتداعية، بفضل العطاءات والمناقصات الحكومية السخية؟ ولماذا التهويل المزيف بعجز الميزانية، ليهرب أصحاب رؤوس الأموال بثرواتهم للخارج، وتغدو البلد في مقدمة الدول المصدرة لرأس المال؟

نحن لم نفقد الثقة في حكوماتنا المتعاقبة، إلا بسبب نهجها، بتزوير كل شاردة وواردة، وقد بدأنا الإصغاء للإشاعات التي تعصف بكياننا الاجتماعي واستقراره، وتنبؤ حالة الفزع والتوجس من المجهول القادم.

السلوك الحكومي نحو معالجة  القضايا الحيوية، ومبدأها في التفاعل والتعامل مع الأحداث الجارية مرآة تنعكس عليها تصرفات المواطنين.. فإذا كانت السياسة الحكومية، بمشاريعها، جادَّة وإصلاحية ومنضبطة، انتقلت عدواها إلى شريحة المواطنين، واسترشدوا بها.. أما إن أحسَّ المواطن بأن مَن يتولى أمره يزيّف الأوضاع ويفتئت للمصالح الطبقية والمقربين، أو لسبب لم يفصح عنه، فحتماً حينها سيتنصَّل من المسؤولية، وسيلجأ للتبرير والتزوير.. وما أيسر سلوك هذا الدرب المؤدي للخيبة والضياع!

 

نقلا عن جريدة الطليعة