علم يقيناً، وأنا أكتب هذا المقال، أنه في نهاية المطاف لن يلقى قبولاً لدى البعض، لأسباب قد تكون منطقية ووجيهة.. ففكرتي اليوم ليست باتجاه البحث عن إرضاء هؤلاء، بقدر ما يهمني، أن أكتب وفق قناعة معينة، بما تحمله من أفكار وتوجهات ما زلتُ مؤمناً بها، أدافع عنها، وأقبل الانتقادات حولها.
الحديث اليوم يتمحور حول قطاع مهم، وله دور في تحريك المياه الراكدة، لما – من المفترض – يملكه من قدرات خاصة، وحيوية، تميزه عن بقية القطاعات، وأقصد به تحديداً وبصورة مباشرة فئة الشباب الوطني الديمقراطي، ومن يحمل هذه الصفة، ومن يقترب منهم، سواء من المنتمين إلى قوى وتنظيمات سياسية أو من غيرهم.
لقد كان الأمل في هذه الفئة كبيراً، بأن تأخذ مكانتها، وفق ما تؤمن به من معتقدات، تنطلق مما تروّجه لنفسها من دستور الكويت، وبالذات ما يتعلق بمسألة الديمقراطية والحريات العامة بمختلف أشكالها، وهذا الإيمان مطلوب، حتى يتحوَّل إلى برنامج شبابي وطني يحمل في طياته آليات الإصلاح الديمقراطي الذي ينشده الجميع.
لا تزال الذاكرة تحمل الكثير من المواقف الشبابية، وهنا نشير إلى حملة «نبيها 5» عام 2006، التي كانت موجهة نحو تعديل النظام الانتخابي، وقد نجحت القوى الشبابية في مسعاها، وكذلك ما حدث في السنوات التي تلت ذلك، سواء بالتحركات الموجهة ضد رئيس الوزراء السابق، أم المسيرات الشعبية الكبيرة المطالبة بإصلاحات سياسية.
لكن، تبقى هناك تساؤلات مشروعة في هذا الإطار: ماذا بعد ذلك؟ ولماذا اختفت القوى الشبابية الضاغطة عن المشهد السياسي؟ ولماذا أخذت في التفتت والانحسار التدريجي؟
الإجابة عن هذه التساؤلات تترك للقطاع الشبابي نفسه، ليبحث عن أخطائه، ويعيد رسم خطواته، وفق المصلحة الوطنية الحقيقية التي تنشد التغيير والتطوير.
وإذا كان ما طرحناه يتحدث عن القطاع الشبابي بصفة عامة، فإن الاتجاه الوطني الشبابي، وهو ما أعنيه اليوم، هو الآخر يمر بأزمة قد تكون أعمق وأكبر، باعتبار أنه اتجاه «مسيَّس»، ويمتلك برنامجاً أقرب إلى التجانس والتوحد من بقية الاتجاهات الشبابية التي تربطها قضية مرحلية وتنتهي.
مشكلة الاتجاهات الشبابية الوطنية تكمن في انغلاقها على نفسها، وعدم إقدامها على الانفتاح على الآخرين، وعدم إيمان العديد منهم بتنظيماتهم، التي ينتمون إليها، وافتقادهم منهج التغيير الذاتي الداخلي، وحتى عمليات الانتقاد والتصحيح، التي من المفترض أن يقوموا بها ويمارسوها نحو الإصلاح، لا تعدو أكثر من كلمات وهمسات تطلق هنا وهناك، وفي كثير من الأحيان في الغرف المغلقة.
من الواضح، أن هناك أزمة يعانيها هذا الاتجاه الشبابي الوطني، وهي ما تعرقل تحركاته، بل لنقل سيطرت عليه، حتى شلّت كل أدواته الفاعلة والمحركة، وأضحت لا تتعدى فقط «تويتر»، وكأنه هو الفضاء المتاح فقط، بل حتى هذا الفضاء يتم العمل به وفق مفهوم «البرج العاجي».
ومن الإشارات المؤلمة في فهم حالة الشباب الوطني الديمقراطي، ما ظهر من تقهقر كبير وتصدع للقوائم الطلابية الوطنية في الانتخابات الجامعية، وتحديداً في جامعة الكويت، وتراجعها إلى مراكز متدنية، وهو ما يتطلب مبادرة المعنيين والمهتمين إلى إعادة تهيئة هذه القوائم بصورة أخرى متجددة، ومعالجة مكامن الخلل الذي تعانيه.. فكما هو معروف، فإن القطاع الطلابي والشبابي هو الرافد الأساسي لأي حركة واتجاه سياسي.
الموضوع مطروح للنقاش والبحث والعقلاني، بعيداً عن التشنج والانفعال، ومعرفة السلوكيات الخاطئة وتصحيحها أفضل من السكوت عنها، بحجة الحفاظ على وحدة الاتجاه والتيار.