السنوات الخمس المقبلة عجاف، المواطن سينسى خلالها هموم السياسة ومماحكاتها، وسيلتفت مجبراً إلى تحديات الوضع الاقتصادي المتأزم، وخاصة أسعار النفط المتهاوية، في حين حكومتنا لاهية بمشاريعها المتعثرة والمتأخرة .
تقارير المكتب الاستشاري الأجنبي لوزارة المالية متخم بالتحذيرات المستقبلية من عدم استغلال الفرص السانحة المتكررة للتطوير الاقتصادي والإنماء الرأسمالي، مع بيان عينات ونماذج من الفجوات التي يمكن سدها للهدر المالي وإرفاد الميزانية بموارد متنوعة، بما يعفي الفئات الضعيفة والمتوسطة من التوجس على مصدر دخولها.
الأصل في الإصلاح الاقتصادي، أن ينطلق من الجهات الحكومية، من خلال رفع رسوم الأراضي والمباني الحكومية المؤجرة على الأفراد والقطاع الخاص، كالشاليهات والمزارع وكراجات المناطق الصناعية والجمعيات التعاونية، وتخفيض فاتورة العلاج بالخارج المتضخمة لمصالح سياسية وانتخابية وتنفيعية.
صحيح أن الاحتياطيات النفطية تكفي لـ 100 عام قادمة، كما هو مقدَّر، ولدينا صندوق سيادي خارجي يغطي العجز المالي للميزانية، ولو بمعدل أقل من السابق، لكن سوء التدبير والعبث بالثروة الوطنية أضحى شعاراً للحكومة والمواطن، على حدٍ سواء، مع العلم بأن دولاً تفوقنا غنى بالثروات الطبيعية والتقدم الصناعي، تتحكم في ثرواتها وتصونها من العبث والفساد والضياع.
فائض ميزانيتنا تجمد عند 108 مليارات دينار، بعدما كان بحدود 8 مليارات، ما دعا الحكومة للتلويح بحزمة اقتصادية مرفوضة شعبياً، ويمكن الرجوع لاستفتاء «القبس» حول ذلك، ولأننا نعلم أن الكويت تمتلك مصدات مالية وخارجية ضخمة يمكنها احتواء آثار انخفاض النفط بمرونة.
منذ 16 سنة مالية متعاقبة وميزانيتنا تحقق وفراً مالياً، هذا تذكير لحكومتنا الحالمة، ووكالة فيتش للتصنيف الائتماني تتوقع استمرار الكويت بتحقيق فوائض مالية بحسابها الجاري والموازنة العامة، رغم انحسار الفوائض المالية.
البلد لا يزال بخير، وأموره طيبة، وخزائنه مليئة بالسيولة النقدية، ويمتلك أصولاً ضخمة، لكن الهدر صفة السفهاء لا الحكماء، وعلى الشعب أن يُحسن استغلال ثروته، لتحقيق نهضة علمية صناعية اقتصادية، لتعد نموذجاً للنجاح البشري على كافة الأصعدة.
أصولنا السيادية الخارجية 472 مليار دولار، مع توقع ارتفاعها، بسبب عوائد الاستثمار، وتحويلات الإيرادات المستمرة، ومع ذاك يعاني اقتصادنا وبورصتنا التهميش والتدهور، بلا محاولات جادة من الحكومة للتطوير والتعافي.
قطاعنا الخاص مشلول، والمخرجات التعليمية لا ترفده بالعمالة الفنية والمواهب التجارية النشطة، وهو قطاع شبه عائلي مغلق على نفسه، وسوق الأوراق المالية تسرح فيه شركات عفنة تشفط ما بقي من دنانير في جيوبنا، هذا إن وُجِدت.
الموازنة العامة تحتاج إلى سعر برميل نفط بقيمة 48 دولارا، فيما الأسعار الحالية بحدود 28 دولارا، وهي تنهار، نتيجة صراعات دولية إقليمية، وفوضى حروب تعم المنطقة العربية، وتحزبات اجتماعية تنذر بالمزيد من الاحتقان على كافة الأصعدة.
الآن، الشعب لايريد أن يبدأ الإصلاح من فاتورة رواتبه، ويلفت نظرها إلى انطلاق الإصلاح – إن كان من نية صادقة لذلك – من كبح الهدر الهائل في المصاريف العامة للدولة، كالمناقصات المليارية الفلكية، وفاتورة العلاج بالخارج، وامتيازات القياديين، والديون غير المستوفاة من الداخل والخارج.
الحكومة هي أول من يسيء، بعمد، للميزانية، فالموظف بالأخير له حق التصرف براتبه وإيراداته، لكن الحكومة لا يحق لها السلوك ذاته، وتمارس سياسة خائبة قائمة على المنح والعطايا والهبات، في إغفال متعمَّد لتحديات المستقبل المجهول.