الأحكام الصادرة أخيراً بشأن «خلية العبدلي»، وقبلها قضية تفجير مسجد الصادق، تؤكد أن الكويت تتعرض وستواجه أخطارا حقيقية من الواجب على الحكومة التصدي لها مسبقاً، والحيلولة دون إيجاد فرصة لتكرار مثل تلك التهديدات.
زوابع الأيديولوجيا الدينية يمكن لها أن تقلب كيان الوطن، أو بالحد الأدنى تموضعه وشعبه على صفيح ساخن، وفي حالة من الفوضى والتشرذم بين المكونات الاجتماعية متعددة الانتماء، التي يزخر بها نسيجنا الاجتماعي، فلا يكفي أن تصدر الأحكام النهائية وتنفذ وتطوى الملفات.
أحكام الإعدام والمؤبد وغيرها أطلقت الإشاعات التي لفت الأجواء حول حقيقة أنه يعيش بيننا ومن مواطنينا مَن يخبئ أطنان الأسلحة والذخائر والمفرقعات، ليستثمرها في إشاعة أجواء الرعب والهلع، أو أن يستعملها لزعزعة الأمن والاستقرار. والأدهى، أن بعض المتهمين ينتمون للقطاع العسكري، وهذا مؤشر خطير على اختراق المنظومة الأمنية، ودلالة على تأثير الأيديولوجيا الدينية، وتراجع الحس الوطني.
لو أن حكومتنا وعت أهمية وجود الأحزاب السياسية المعلنة، بدلاً من الأحزاب الطائفية المستترة خلف مسميات مضللة، ومدى افتقادنا المنظمات الحقوقية التطوعية الحرة وتقاريرها الدورية التي تكسب الثقة والاطمئنان للجمهور، بوجود رقابة شعبية على أداء المؤسسات، لما آلت بنا الأحوال الرثة لطغيان الشائعات والمماحكات والتسبب في احتقان طائفي بغيض يتحمَّل جزءا عريضا من مسؤوليته مخططو السياسة الداخلية.
سياستنا الداخلية تفتقد المراجعات الدؤوبة والتمحيص، والتنقية تبدأ بالمناهج التربوية والإعلام وتطبيق القانون بالمساواة والعدل والحزم، مع النهوض بالقطاع الأمني والعسكري، مع شرعنة وتطبيق الحياد الديني، وهذا محور جوهري في المواقف السياسية، وذاك ما يتعارف عليه بـ «علمنة الدولة»، حتى لا تتهم سلطاتنا بالانحياز والخضوع لأهواء تيارات الإسلام السياسي، مهما استطالت وتمددت ردفاً باستقلال المرفق القضائي درءا للشبهات والأقاويل.
بلدنا صغير المساحة، قليل الكثافة السكانية، جغرافياً بين دول متراشقة ومتنافسة، وانتقال الأفكار المتطرفة ومشاعر الكراهية لا يصدها ثقافة وفكر فشلنا كدولة وتنظيمات مدنية في تشييده كسياج بمواجهة تلك المحاذير التي انكشف عليها المجتمع وعجز عن مواجهتها والتصدي لها، لتتخاطفنا الفتن، الواحدة تلو الأخرى، مرة من أبناء «داعش»، ومرة من متعاطفي حزب الله، وثالثة في الدرب، لا نعلم عن ماهيتها سوى أنها تريد الشر المستطير لهذا البلد الآمن.
نقلا عن جريدة الطليعة