سعاد فهد المعجل : القرش الأبيض.. واليوم الأسود!

image

سعاد فهد المعجل
عضو المكتب السياسي

التعامل مع الأزمة المالية المرتقبة من جراء تراجع أسعار النفط، اعتدنا عليه، ولا يختلف عن أي تعامل رسمي للقضايا المصيرية التي تمس الوطن والمواطن.

الاستراتيجية الاقتصادية المحكمة لا يمكن أن تأتي على هيئة ردة فعل، كالتي حدثت معنا اليوم، إثر انهيار أسواق وأسعار النفط حين بدأت التكهنات حول أسهل الطرق لترشيد الإنفاق.

فهي تارة ترفع الدعم عن المواد الأساسية، وأخرى من خلال زيادة أسعار المحروقات، أو تجريد الوزراء، ومن في مرتبتهم، من مزايا عديدة.

أما الطامة الكبرى، فهي أن تكون بداية الترشيد من قطاع التعليم، حيث قررت وزارة التربية وقف البعثات الدراسية والإجازات العلمية للماجستير والدكتوراه للعام الدراسي المقبل.

أن يبدأ الترشيد من حقل التعليم، فهو أمر لا شك يعكس ضحالة وسذاجة في التخطيط، فلم نسمع من قبل عن دولة عالجت عجزها المالي، من خلال تقنين البعثات والتخصصات النادرة ومخصصات المؤسسة التعليمية بشكل عام، بل على العكس تماما، فالدول التي تملك رؤية وخطة استراتيجية مستقبلية حكيمة ومحكمة تبدأ بمعالجة مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تعزيز المؤسسات التربوية والتعليمية، وليس العكس، ولنا في التجربة السنغافورية خير مثال، حين تم تخصيص الجزء الأكبر في البداية للتعليم فقط، الأمر الذي «أنتج» مواطنين أكفاء وقادرين فعلا على بناء دولتهم وتحصينها من الانزلاقات الاقتصادية.

الحديث اليوم عن ترشيد الإنفاق، سواء برفع الدعم، أو إلغاء البعثات الدراسية، يقابله الناس بالتندر والسخرية، ليس لأنه كقرار غير مجدٍ اقتصاديا بالشكل المطلوب وحسب، لكن لأنه ليس «مربط الفرس» مما تعانيه الدولة حقاً. فالهدر المخجل في الميزانية لم يقابله قرار واحد، يستنكر أو يطرح البدائل لوقفه، بخلاف المحللين الاقتصاديين الذين بحّت أصواتهم وجفت أقلامهم وهم يحذرون من قدوم مثل هذا اليوم، إلا أن تحذيراتهم لم تكن أبداً مسموعة، فأغلبهم ممن حلّ عليهم غضب السلطة، وبالتالي كانت دائماً كلماتهم مشروخة أو ملطّخة، بزعم التآمر على البلد أو التشاؤم من المستقبل.

مشكلة ترشيد الإنفاق، كما تقترحها الحكومة، هي أنها تفتقد المصداقية، فالمواطن لا يصدق أن الحكومة جادة بالفعل في تصحيح مسارها، ما لم تتوقف أولاً عن الهدر والبذخ في مجالات لا تخدم إلا القلة القليلة.

مشكلتنا، أننا فرطنا في القرش الأبيض، ولم نعمل حسابا ولا تقديراً لليوم الأسود، لذلك من المنطقي جداً أن يكون التخبط في أولويات الترشيد هو مسار قراراتنا «التصحيحية» اليوم.

نقلا عن جريدة الطليعة