في الأسبوعين الماضيين توقفنا في مقالين على التوالي أمام نموذجين لمنظمتين شبابيتين حققتا نجاحاً ملحوظاً في عملهما وأنشطتهما، وهما «رابطة الشباب الكويتي» ذات الإطار التطوعي، و«ملتقى الشباب الديمقراطي»، التي تسير وفق مفهوم التنوير السياسي والفكري.
واليوم نطرح نموذجاً آخر مغايراً لهما، وهي تجربة تجمُّع «صوت الكويت»، الذي تأسس عام 2008، إن لم تخني الذاكرة، من خلال فورة شبابية كبيرة متحمسة، وقد سخرت له كافة الإمكانات، وحظي بدعم لا نظير له من العديد من الشخصيات الوطنية.
ارتكز نشاط المجموعات الشبابية المنتمية لهذا التجمع على قضية محورية، تمثلت في التمسك بالدستور والدفاع عنه، وما احتواه من مكتسبات، وبالذات ما يتعلق بالحريات العامة وأهمية المجتمع المدني، واندرجت كل أنشطته تحت هذا الهدف، فأصدر العديد من النشرات التثقيفية والتوعوية، وأهمها كتيب «القوانين غير الدستورية»، كما نظم العديد من الفعاليات في مقدمتها «احتفالية يوم الدستور».
وما ميَّز هذا التجمع، وجود مقر ثابت داخل أسوار الجمعية الثقافية النسائية، وهو ما سهل له إقامة اجتماعاته الخاصة، واستضافة الضيوف، كما فتح «صوت الكويت» مقره لتجمعات شبابية أخرى لإقامة أنشطتها بداخله، وفق مفهوم التعاون مع مختلف الأطراف الشبابية الوطنية، وكان قريباً من عدد من التجمعات السياسية، وتحديداً التحالف الوطني الديمقراطي، وهو أمر ليس بالمعيب على الإطلاق.
لكن مع مرور الوقت، أخذ هذا التجمع بالانحسار والاختفاء، وابتعد أعضاؤه تدريجياً، لعدم تمكنه من استقطاب مجموعات أخرى تعيد الحيوية، حتى خسرنا مثل هذا التجمع، ولم يبقَ منه سوى موقعه وشعاراته.
لقد كان واضحاً، أن هذا التجمع أحاط نفسه بستار «حديدي»، وتقوقع بداخله، من دون الخروج إلى مساحات شبابية أوسع، وحصر مهمته في إطار ضيق للغاية لا يسمح له بالانتشار الأفقي في المجتمع الشبابي، ما يشير إلى الفهم «النيوليبرالي» للمجتمع المدني وآلياته الذي يخدم تطلعات وأهداف «طبقة» معينة، ما يفسر طبيعة الأنشطة التي أقامها وكيفية الإدارة، حتى أصبح هذا التجمع مجرَّد «برستيج» وشكل اجتماعي للتباهي.
والتساؤل المطروح والمشروع: ما أسباب فشل هذه التجربة الشبابية، خصوصا أنه حصل على دعم لا يضاهى؟ أعتقد أنه من الأفضل أن تكون الإجابة من أعضائه ومنتسبيه، هذا إن كانوا حتى الآن مؤمنين بتجمعهم، فهم أقدر على فهم وإدراك الحالة الخاصة بهم.
وعلى كل الأحوال، تجربة العمل الشبابي الوطني، بنماذجها الثلاثة التي تحدثنا عنها، تستحق وضعها تحت مجهر دقيق، فالنموذج الأول، وهو «رابطة الشباب الكويتي»، أثبت وجوده مع مرور الأيام، وحصل على اعتراف رسمي من وزارة الشؤون، كما أسلفنا سابقا، والثاني «ملتقى الشباب الديمقراطي» يسير هو الآخر بخطى ثابتة، وإن كانت بطيئة بعض الشيء. أما الثالث، الذي كان محور حديثنا في هذا المقال، «صوت الكويت»، فإن تجربته في العمل كانت في الاتجاه العكسي، فبدأ قويا ونشطا، وانتهى خاملا لا وجود له.
.. وللحديث بقية.
نقلا عن جريدة الطليعة