حبيب السنافي : السُّلطة

image

حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي

يتعرض الفرد في مجتمعه لضغوط «السُلطة» منذ نعومة أظفاره، بدايةً من فرض سلطة الوالدين ونصائحهما وتوجيهاتهما المملة، مروراً بسلطة لوائح مراحل التعليم المتعاقبة، التي تحاول قسره على الاندماج في بوتقة المجتمع، بكل سلبياتها وإيجابياتها، وانتهاءً بسلطة الحكم المهيمنة على نمط الحياة السياسية والاجتماعية في مجتمعنا.

السلطة بمراحلها المتوالية على حياة الأفراد لها صورتان؛ سلبية وإيجابية، الإيجابية تنضوي ضمنها القوانين المتوافقة مع طبيعتنا البشرية والثقافة الإنسانية، ولا تتعارض مع مفاهيم الحريات العامة والشخصية، بينما نماذج السلطة السلبية تتمحور حول إلزام الأفراد والجماعات بالقوانين السالبة لحقوقهم، مطلباً وفكراً، بلا رضا أو قبول منهم.

السلطة يخص بها نفسه ظلماً وعدواناً، إما دكتاتور مستبد، وإما عائلة حاكمة جائرة، وإما قبيلة متفردة، وإما حزب متسلط مغتصب لإرادة البشر، زماناً ومكاناً.

شعوبنا المقهورة والمغلوبة على أمرها قد تعي «أحياناً» أنها مسلوبة الإرادة، لكنها غالباً ما تجهل الكيفية التي تم بها سلب إرادتها ومشيئتها، فالسلطة الماكرة تبتكر لنفسها المكائد والتكتيكات والدسائس، لاستدامة  سطوتها وهيمنتها على المجتمع الغافل والعاجز، المستغرق في خضم مصاعب الحياة اليومية ومعاناتها.
من أخطر تلك الأساليب، الإقناع العقلي المخادع والمضلل، مثل الأسلوب الذي مارسته وتمارسه الجماعات المؤدلجة دينياً على عناصرها، فهي تجدُ أولاً بتبديل طريقة تفكير أولئك، لتتماهى مع منطقها اللامادي واللاعقلاني و«الإيماني».

فلا يمكن أبداً فرض السيطرة والسلطة الجسدية والعقلية والروحية على فرد لا يؤمن ولا يخضع لنفس أسلوب وتفكير ومنطق المستبد، علينا أولاً شحنه بالأفكار المضللة والمعلومات الخاطئة، ليمهد لنفسه منهجاً متوافقاً مع منهج السلطة الجائرة، متوهماً أنها تتسلط عليه لمصلحته لا ضدها، لينكفئ من عنصر مناوئ للسلطة الغاصبة إلى حليف مجند ومفادٍ لمشروع الطاغية، حينذاك يصل الديكتاتور إلى مبتغاه من خلق عدو للمواطن ينطلق من المواطن نفسه، أي يدمر المواطن نفسه بيده، ويقيم على نفسه رقيباً لمصلحة السلطة، بلا شعور منه وإدراك بما آلت إليه أحواله، وأنه انضم إلى جوقة السلطة المحتقرة.

أسلوب آخر تتبعه مثل تلك السلطة، وهو أسلوب السلطة غير المباشرة، متحكمةً بمفاصل المجتمع، من نقابات عمالية ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات مهنية، أي بالقطاعات الممثلة لإرادة الأمة المزورة، ليخال للمواطن أن هذه المؤسسات هي المتحدث الرسمي بالسياسة، ولها «فقط» حق النيابة بالادعاء لمصالحه، بينما تتجمد إرادته داخل كيانه المعزول.

تتنوع خبائث السلطة ودهاليزها، بتنوع النسيج الاجتماعي ومكوناته، لكن تبقى بالأخير هي إرادة الجشع والاستحواذ لمصلحة الحاكم، مهما تعددت مسمياته ضد إرادة الحرية والمقاومة من قبل المواطن، لإزاحة طغيان السلطة.

نقلا عن جريدة الطليعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*