حين نتحدث، وخاصة في دول الخليج، عن أزمتنا الاقتصادية القادمة، في ظل التدهور المستمر لأسعار النفط، نتجاهل في سياق حديثنا أن النفط في حقيقة الأمر هو حالة طارئة واستثنائية، وليس قاعدة، وبالتالي يكون من الخطأ أن تتكثف كل جهودنا وخططنا الاقتصادية حول هذه السلعة القابلة للنضوب أو للتذبذب السعري، كما هي الحال اليوم مع ما تشهده أسعار النفط من تقلبات في ميزان الأسعار والعرض والطلب.
نعم، لقد أحدث اكتشاف النفط في المنطقة تغيُّرات جذرية هائلة في البنية الاقتصادية والإنتاجية والاستهلاكية السائدة في المنطقة، وأدى ظهوره إلى تدهور صناعات وحرف ومهن تقليدية محلية، فتراجعت الزراعة والحدادة، وانتقل أغلب عمالتها إلى مرافق النفط والأعمال المساندة له والوظائف الحكومية التي أحدثتها الطفرة النفطية.
لا نريد ترديد أو تكرار أن خبراء في الاقتصاد والمال والتنمية حذروا، مراراً وتكراراً، من مغبة الاعتماد على النفط كمعيار وحيد لتحقيق برامج تنموية مستقبلية قابلة للاستمرار، لكن نريد أن نذكّر، بأن تجاهلنا لشروط التنمية المستدامة، التي ترتبط بمدى قدرة أي نظام اقتصادي على استيعاب متطلبات كل فئات المجتمع، مع عدم المساس بقدرة الأجيال القادمة على استثمار نفس قاعدة الموارد الطبيعية، من أهم أسباب ما نواجهه اليوم من مأزق اقتصادي مقبل في الأفق.
للأسف، إننا مذعورون من تدني أسعار النفط، وبالتالي تراجع العوائد المالية، لكننا لا نبالي بالقدر نفسه بمشاكل أخرى تعد من أهم معوقات التنمية المستدامة، ومن أكبر المخاطر على الكيان الاقتصادي والاجتماعي لأي دولة.. فليس في قواميسنا الإصلاحية، إلا في ما ندر ولدواعي مهرجانات خطابية، لا أكثر، أي إشارة جادة لمحاربة ظاهرة البطالة، التي تعد من أكبر معوقات التنمية المستدامة الحقيقية.
نكرر، لا جدوى من خطط اقتصادية ومشاريع مستقبلية قائمة على حالة استثنائية تمثلت في ظهور ثروة مؤقتة في منطقة كانت تصنف من مناطق العالم الفقيرة والاقتصاد المغلق.
نقلا عن جريدة الطليعة