سعاد المعجل: نيلسون مانديلا.. الفكرة!

سعاد المعجل عضو المكتب السياسي

سعاد المعجل
عضو المكتب السياسي

يتأهب اليوم نيلسون مانديلا للرحيل بعد حياة طويلة قضاها مناضلاً ومدافعاً عن الحرية، ومعارضاً شرساً لسياسة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، التي كانت تنكر الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للأغلبية السوداء! كان يدعو في بداية نضاله إلى المقاومة السلمية، إلى أن تم اطلاق النار على متظاهرين عَزّل في عام 1960، مما فتح على اثرها باب المقاومة المسلحة!

في عام 1962 اعتُقل مانديلا وحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، بتهمتي السفر غير القانوني، والتدبير للاضراب، وفي عام 1964، قُبِض عليه مرة أخرى بتهمة التخطيط لعمل مسلح والخيانة العظمى فحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وفي عام 1985 عُرض على مانديلا إطلاق سراحه مقابل وقف المقاومة المسلحة، إلا أنه رفض العرض، وبقي في السجن حتى فبراير عام 1990، وخلال سنوات سجنه الثماني والعشرين أصبح النداء بتحرير مانديلا من السجن رمزاً لرفض سياسة التمييز العنصري!
ما سبق كان نبذة مما نُشر حول السيرة الذاتية لهذا المناضل، لكن ما لم تستوعبه المراجع هو ما تركه نضال هذا الرجل من تأثير قوي في مفهوم النضال، ومن أثر أقوى في معنى الحرية والانعتاق من الظلم والاستبداد والقمع!
فنيلسون مانديلا ليس سخصاً مناضلاً فقط، وإنما يعد رمزاً للإرادة الجماعية وللكفاح الاجتماعي والسياسي الحقيقي، فكفاح هذا الرجل ضد التمييز العنصري المؤسسي، رسخ مفهوماً مثل النضال بشكل جمعي، مما أفرز كوكبة من المناضلين الأفارقة، الذين ساروا على خطه النضالي، فأثمرت مسيرتهم ثلاث جوائز نوبل للسلام، إحداها كانت من حصة مانديلا، وواحدة ذهبت للمناضل الأفريقي «البرت لوتولي»، وأخرى للأفريقي «ديسموند توتو»!!
حين قال نيلسون مانديلا مقولته الشهيرة: «إن الحرية لا تقبل التجزئة، لأن القيود التي تكبل شخصاً واحداً في بلادي إنما هي قيود تكبل أبناء وطني أجمعين»! حين قالها كان يرسل رسالة ملخصها: أن القيم السامية في العدالة والحرية لا يمكن احتكارها إطلاقاً، وان العائد من ورائها لابد أن يكون مصلحة جماعية وإلا فقدت سموها ومغزاها وتأثيرها!
نيلسون مانديلا رسم صورة مختلفة للنضال، وطرح مفهوماً مغايراً للمناضل، فالمناضل ليس هو فقط المعارض للنظام، والمنادي بإسقاط الحكومة أو الوزارة، وهو ليس المطالب بمحاربة الفساد ومؤسساته، ولا في ترسيخ الديمقراطية والحريات المجتمعية، فعلى الرغم من أهمية كل ذلك، فإن المناضل أولاً يجب أن يكون إنساناً، يقدس القيم الإنسانية، ويتبنى الحرية بمفهومها المجرد.
حرية العقيدة والعقل والضمير والذمة، كما في النضال، هو الذي يثبت بفعله ان نضاله هو الذي أهّله لأن يكون ضمير أمته ومجتمعه، وليس الصدفة أو العناية الالهية!
العالم العربي اليوم بحاجة إلى هذا النموذج من المناضلين، الذين تتغلب إنسانيتهم على طموحاتهم، ويكون تقديسهم لحرية الجميع أكبر من حرصهم على تحرير أنفسهم، العالم العربي بحاجة إلى مناضلين بتجرد نيلسون مانديلا، الذي ان كُتب له المزيد من السنوات في هذه الحياة، وإن لم تكتب فإن رسالته قد وصلت.. وبقي علينا فهمها وتطبيقها!
نقلا عن جريدة الطليعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*