حبيب السنافي: الأوهام العثمانية

حبيب السنافي عضو المكتب السياسي

حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي

يشهد التاريخ بمكانة الامبراطورية العثمانية كإحدى الدول الاستعمارية العظمى، التي فرضت سلطتها ونفوذها على مساحات شاسعة من قارات آسيا وافريقيا وأوروبا، وكباقي الدول الاستعمارية انكفأت الدولة العثمانية وانحسرت سلطتها بعد ستمائة عام من التسلط والقهر على الشعوب إلى حدودها، بعد أن قارعتها القوى الاستعمارية وألجأتها لتوقيع معاهدة لوزان١٩٢٣م.

ولكن هذه العظمة والمجد الضائع أحلامهما مازالت تراود القادة الأتراك الجدد، الذين يجدّون لإعادة وإحياء الدور التاريخي للإمبراطورية العثمانية من خلال سياسات متناقضة تحمل في طياتها الكثير من  المكيافيلية وتقديم مصالحها الاقتصادية على حساب الأعراف والمبادئ الإنسانية، فهي تحاول جاهدةً لعب أدوار حيوية على الجانبين الإسلامي – العربي والجانب الأوروبي استغلالاً لموقعها الجغرافي المميز، فتتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار كالعراق وسوريا، ومدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني الذي بات سلعة يبكي عليها طلاب الشهرة، وفي الوقت نفسه تتوسع في علاقاتها مع اسرائيل اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً، ويكفيها خزياً أن تكون بالمرتبة السادسة في قائمة الصادرات العسكرية الاسرائيلية لدول العالم، وتبادلها التجاري مع الكيان الصهيوني تجاوز ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وهي كإسرائيل حليف استيراتيجي مهم للولايات المتحده، ويرفرف العلم الاسرائيلي على سفارتها وسط اسطنبول، وتركيا عضو في حلف الناتو، وتسعى بخطى حثيثة للانضمام لعضوية كاملة مع الاتحاد الاوروبي، الذي تتناقض مصالحه مع الكثير من الدول العربية والاسلامية، ومع ذلك مازال الصد الاوروبي لمحاولاتها قائماً، بسبب ملفها السيئ بخصوص حرية التعبير والرأي، ففي معتقلاتها يقبع 76 صحافياً بسبب إبدائهم لآرائهم ولمعارضتهم لبعض السياسات الحكومية. وهذا العدد يعتبر الاعلى من معتقلي الرأي بالعالم،  هذا عدا آلاف المعتقلين الاكراد بلا محاكمات، بتهم الانتماء للحزب الكردستاني، وإضافة لذلك هناك العديد من المحامين والفنانين والجنرالات  في السجون بسبب الحجر على المعارضة، وتقييد الحريات العامة، فإذا كانت هذه حال الحكومة مع شعبها فماذا ترجو منها بقية الشعوب؟ إنها أوهام العظمة العثمانية بالتأكيد.
نقلا عن الطليعة