علي حسين العوضي: محطات تاريخية في تاريخ الطليعة

علي حسين العوضي رئيس المكتب الاعلامي

علي حسين العوضي
رئيس المكتب الاعلامي

عندما يكون الحديث عن المحطات التاريخية التي مرَّت بها المسيرة الديمقراطية في الكويت، فإنك لا تستطيع إلا التوقف أمام 4 منها، كل واحدة منها تمثل حدثاً، وإن كانت هذه المحطات اتفقت على أمر واحد، هو القضاء على الديمقراطية وركائزها الأساسية. ونقصد هنا تحديداً سنة 1967، التي زورت فيها الانتخابات البرلمانية، بهدف منع القوى الوطنية من الحصول على أغلبية برلمانية، إضافة إلى عامي 1976 و1986، عندما حدث انقلاب على الدستور، وتم حلّ مجلس الأمة حلاً غير دستوري، وتعطيل بعض مواد دستور 1962.

أما الحدث الرابع، فهو المجلس الوطني المسخ عام 1990، الذي أراده البعض بديلاً غير شرعي لمجلس الأمة.
أمام هذه الأحداث، تعاملت «الطليعة» معها، وحذرت في أوقات كثيرة من الوصول إلى هذه النتائج، وأن هناك مؤامرة تُحاك ضد المسيرة الديمقراطية والبرلمانية الكويتية، وتعرَّضت «الطليعة»، في سبيل معركتها، للمصادرة والمنع، وكذلك إيقاف صدورها.
غياب إجباري
فدفاعاً عن الحريات والديمقراطية، عُوقبت «الطليعة»، بمنعها عن الصدور لمدة عام كامل منذ مايو 1966 وجزء من العام 1967، حيث أغلقت بقرار وزاري، من دون محاكمة ومن دون إبداء الأسباب، وطال الإيقاف على فترات متفاوتة صحفاً أخرى زميلة كانت تصدر حينها، كالفجر والجماهير والهدف وأخبار الكويت، وكان واضحاً أن القضية هي الصحافة وحرية الفكر والتعبير، وبصورة أخرى نقول إنها محنة الحرية.
وفي ليلة 25 يناير 1967، زيفت إرادة الشعب و«الطليعة» غائبة، إلا أنها عندما عادت إلى الصدور بعد هذا التاريخ، كتبت على صدر صفحاتها في مطلع العام 1968، مقالاً رصد بإسهاب كبير الأسباب التي أدَّت إلى هذه الوضعية، وكانت النتيجة أن صودر العدد، بسبب هذا المقالة.
وقد أشارت «الطليعة» فيه إلى أن الأحداث التي عصفت بمجلس الأمة حينها لم يكن تسمح بالتجربة البرلمانية المحددة بالنمو، بل ستجهض من محتواها، مثلما حدث عندما أقرت سلسلة القوانين المقيدة للحريات، وما صاحبها من إغداق للأموال ومنح الترقيات، لكسب الموالين والمفاتيح الانتخابية وتوزيع الجنسية والمناطق الانتخابية، لضمان الفوز للعناصر الموالية لانتخاب 1967.
وواصل المقال: «وجدت السلطة أن أساليبها الذكية غير نافعة، ولم يبقَ أمامها غير الأسلوب المعهود، والذي عرفته الشعوب كتصرف طبيعي من السلطة، ألا وهو استعمال القوة الغاشمة والبطش، ولهذا كان خطف صناديق الاقتراع من مقار اللجان بقوة السلاح، والتهديد باستعمال القوة وإطلاق الرصاص كان تصرفاً أجبرت عليه السلطة على اتخاذه، لأن جميع الوسائل والأساليب الأخرى لم تنفع».
الموقف من حل 1976
عادت «الطليعة»، وواصلت دورها التوعوي، وعادت التجربة البرلمانية إلى مسارها، عندما أجريت انتخابات 1971، ومن ثم مجلس الأمة الرابع عام 1975، والذي شهد حالة الانقلاب الأولى على الدستور، عندما تم حلّ مجلس الأمة، وتعليق عدد من مواد الدستور، بأمر أميري صدر بتاريخ 29 أغسطس 1976.
وكتبت «الطليعة» في عددها الصادر في 31 أغسطس 1976 تعليقاً، أكدت فيه أن التجربة الديمقراطية التي عايشتها الكويت، رغم كل سلبياتها ونواقصها، كانت صاحبة الفضل الأول، وربما الوحيد في ما حققته الكويت من حجم على الصعيدين العربي والدولي.
وأضافت «إن أعداء التجربة الكويتية كثيرون في الداخل والخارج، يتربصون بها الدوائر، وأن المصلحة الوطنية العليا كانت دائماً تتطلب تفويت الفرص على هؤلاء الأعداء من أن ينالوا من قلعتنا، عبر المثالب التي لا مفر منها في أي تجربة اجتماعية جديدة، وانتقدت المبررات التي ساقتها الحكومة في طلبها لحل المجلس، والتي كانت حول عدم فاعلية المجلس، وانعدام التفاهم، إضافة إلى «الظروف العربية العصيبة»، وهي مبررات من السهولة الرد عليها، وأن الحل لا يكمن في وقف المسيرة الديمقراطية، أو القضاء على المكاسب الشعبية، بقدر ما تكون مواجهة الظروف في بناء الوحدة الوطنية المتينة، والتي يكمن عمودها الأساسي في الديمقراطية.»
وأوقفت «الطليعة» عن الصدور بقرار إداري استمر قرابة ثلاثة شهور، وعادت في عددها في 4 يناير 1977، إلا أنها تعطلت بقرار آخر، حتى عادت مجدداً بعد خمسة أشهر، وتحديداً في 1977/6/14.
مقدمات حل 1986
واكبت «الطليعة» الأحداث التي سبقت حل مجلس الأمة عام 1986، بل إنها حذرت من أجندات حكومية تذهب بصورة مباشرة إلى حل مجلس وتعطيل الدستور، فكتبت بتاريخ 29 مارس 1986 تحت عنوان «حكومة لا تخضع للدستور.. وتمهد لتعطيله»، وتناولت فيه مخططا حكوميا يهدف إلى خنق الديمقراطية وإلغاء الدستور. وأشارت إلى أن هذا المخطط يتلخص في عرقلة عمل مجلس الأمة وافتعال الصدام والتصعيد معه، ومحاصرته وشله عن اتخاذ موقف صلب تجاهها، وأخيراً الإجهاز على الديمقراطية، بتكرار أحداث 1976، بحل المجلس وتعطيل الدستور في وقت يكون الناس فيه قد يئسوا من فاعلية المجلس، وتحت غطاء أن هذا المجلس يبث الشقاق والفرقة في البلاد.
وتساءلت «الطليعة» لمصلحة مَن يحدث ذلك؟
وبالفعل، لم ينتظر الناس طويلاً، وتأكد المخطط الذي تحدَّثت عنه، وتم حل مجلس الأمة يوم الخميس 1986/7/3 بأمر أميري وتعطيل العمل ببعض مواد الدستور.
وفي هذه المرة، تم إيقاف ومنع «الطليعة» من الصدور بعد قرار الحل، حيث فرضت الرقابة المسبقة على الصحافة، لمنعها من تناول هذا الشأن، وتوقفت عن الصدور لفترة امتدت من 1986/6/28 إلى 1986/12/11، ثم احتجبت مرة أخرى عن الصدور، لتعود مع مطلع عام 1988 ومع أحداث الانتفاضة الفلسطينية.
المجلس الوطني
في العام 1989 انطلقت الحركة الشعبية المنادية بعودة الديمقراطية والحياة البرلمانية، من خلال ديوانيات الاثنين التي ابتدأت من ديوانية جاسم القطامي، وكانت القوى الوطنية والديمقراطية هي محركها الأساسي.
وبحكم الرقابة المفروضة على الصحافة المحلية في تلك الفترة، لم يكن بإمكان «الطليعة» تناولها، سواء بالكتابة أو التحليل، حتى عندما حدث حوار بين السلطة ونواب مجلس 1985. ووقتها فقط كتبت «الطليعة» بتاريخ 10 فبراير 1990، أن أهمية مثل هذا الحوار نحو الوصول إلى استئناف الحياة الديمقراطية وفقاً للثوابت الأساسية مع فهم صحيح للمبادرة الشعبية.
إلا أن هذه الحوارات لم تصل إلى النتيجة المرجوة، حيث فرضت السلطة المجلس الوطني كبديل غير شرعي لمجلس الأمة الدستوري.
نقلا عن الطليعة