حبيب السنافي: كلنا قبليون

حبيب السنافي عضو المكتب السياسي

حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي

كانت القبائل في الماضي شرياناً للحياة بالصحراء العربية، وما حواليها، ولعبت دوراً حيوياً لا يمكن التغاضي عنه، فنشاطها الاقتصادي، من خلال التبادل التجاري (المسابلة)، لبَّى جانباً مهماً من لوازم وحاجيات الحواضر، كما تميَّزت بتأثير أوقع على الجانب العسكري، فكانت القبائل سلاحاً فعالاً بيد الملوك والأمراء، الذين تنافسوا على استقطاب القبائل، التي كثيراً ما انتقلت من نفوذ أمير لآخر، وفق المنافع المتبادلة، أو مدى متانة العلاقة الثنائية بين أمير القبيلة وأحد الأمراء.. وبالتالي، استغلت القبائل سياسياً عند نشوء واستقرار دول الخليج العربي، لتكوين جيوش نظامية لتأمين الحدود وحماية الأنظمة.

وبالأخير فرض على القبائل بعد آلاف السنين التخلي عن الترحال والتنقل واللجوء للاستقرار بالمدينة، كجزء من المجتمع المدني الحديث المتعدد الأعراق والمذاهب.
هذا الاستقرار كان لا بد له من آثار مباشرة على القبيلة، وخصوصاً اندماجها بالمعترك السياسي وتعقيداته – وهو لب الموضوع هنا، وأخص المشهد السياسي بالكويت تحديداً- حيث الممارسة الديمقراطية الخصبة والثرية بأحداثها ومنعطفاتها ألقت بظلالها على القبيلة ودورها السياسي، من حيث الوهج والخفوت، فأفراد القبيلة، باختلاطهم ومعايشتهم للآخرين، زودهم بالعديد من العادات والتقاليد المقتبسة وأنماط التفكير المتطورة، وسلوك اجتماعي ينأى أو لا يمت للقبلية بصلة، وبان أثر انتسابهم للنقابات والاتحاد ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة، ما أوصد هيمنة زعماء القبائل على تابعيهم، وأضحت المشيخة القبلية مكانة اجتماعية بحتة، ومنصباً شرفياً لا يسمن ولا يغني، إلا في ما ندر.
هذا التراجع لمكانة أمراء القبائل وهيبتهم تستميت حالياً قوى لها سلطة ونفوذ لاسترجاعها، غافلة عن أن الدور التاريخي لهؤلاء يكاد ينتفي على أرض الواقع، وأن حكاية الأقرع بن حابس الذي قيل عنه إنه لو غضب، غضب لغضبه مائة ألف سيف لا يسألونه لماذا غضب، باتت ثقافة جاهلية وحكاية تاريخية لا تمت لواقعنا بصلة، وأن البيعة والعهد والميثاق لمن غلب، استنسخت بالدستور والقانون المدني وحقوق الإنسان.
نحن لا نقلل أبداً من مكانة أمراء القبائل وجلالهم، بل نوقرهم كشخصيات اجتماعية بارزة يستأنس بآرائهم وخبرتهم، ولكن نذكرهم بأن الأمور لم تعد كالسابق، فأبناء القبائل أصبحوا ينتمون لتوجهات سياسية متباينة، من اليمين إلى اليسار، ومن منظرين للعلمانية إلى تابعين للأحزاب الدينية، وأن تاريخ القبيلة والولاء لها عدّ الآن جزءاً من تاريخ الوطن ومجده، وأن المنافسة على الماء والكلأ انقلبت لمنافسة على المناصب الحكومية والمناقصات والمصالح الخاصة،
وأن النأي بأنفسهم ومكانتهم بعيداً عن دهاليز السياسة ومكائدها، هو الاختيار الأصوب لهم، حفاظاً على تاريخ عبق بأسماء أمراء قبائل قادوا ولم ينقادوا، ونصحوا لقومهم، ولم يضلوا أحدا، فطوبى لهم.
نقلا عن الطليعة