
عبدالله النيباري
الأمين العام الأسبق للمنبر الديمقراطي
هل تتوصل المحكمة الدستورية في يوم 2013/6/16، إلى إصدار قرار يحسم الجدل حول المرسوم بقانون الصوت الواحد؟
وماذا بعد ذلك؟ وهل يكون قرارها مفتاحاً لتنفيس الاحتقان الذي تعيشه الكويت؟
هذا هو السؤال الذي يشغل المهتمين والمتابعين للشأن العام السياسي الكويتي.
المحكمة تواجه تحديات شائكة وصعبة، والتصوُّرات حول السيناريوهات أو البدائل أو المخارج عديدة. وقرارها في شأن المرسوم سيكون محط اهتمام الباحثين في الفقه الدستوري، ليس في الكويت فقط، ولكن في البلاد العربية، وعلى الأخص في مصر، وهي المعقل الأول والمنبع الذي يستمد منه ويقتدي به فقهاء الدستور في بقية البلاد العربية.
فالدراسات والأبحاث حول مدى اختصاص المحكمة الدستورية بالنظر في موجبات حالة الضرورة لإصدار مرسوم له قوة القانون، بدأت في مصر، عندما أبطلت المحكمة الدستورية مراسيم لها قوة القانون، لانتفاء حالة الضرورة.
في الحالة التي نحن بصددها، بنت الحكومة دفاعها عن المرسوم على عدم اختصاص المحكمة بالنظر في موجبات إصدار المرسوم، باعتبار أن تقدير حالة الضرورة قرار سياسي، يُعد من أعمال السيادة التي لا يمتد إليها اختصاص المحكمة.
فيما دفع المحامون الطاعنون في مشروعية المرسوم، بحق المحكمة النظر في موجبات الضرورة، وأن حالة الضرورة التي استند إليها إصدار المرسوم غير متوافرة، لأن قانون الانتخابات الذي عدَّله المرسوم كان محل بحث، وطعنت الحكومة فيه أمام المحكمة، التي بدورها رفضت طعن الحكومة.. وبناءً على ذلك، فإنه لا يُعد حدثاً وقع بين أدوار انعقاد مجلس الأمة يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير.
ومما يدعم حجج المحامين الطاعنين في المرسوم، هو قرار المحكمة الدستورية ذاتها بشأن طعن الحكومة في قانون الدوائر الخمس وأربعة أصوات (رقم 42 لسنة 2006)، وجاء في نص حيثيات الحكم أن الاحتجاج بأن التشريع، وهو هنا المرسوم، يُعد عملاً سياسياً لا يمتد إليه اختصاص المحكمة لا يحول دون بسط رقابتها عليه، وجاء النص كالتالي:
«.. فلا يسوغ بأن التشريع الذي تراقب المحكمة دستوريته – مهما بلغت أهميته وأبعاده وآثاره يعتبر عملاً سياسياً أو أن استنهاض اختصاصها إقحام لها في الشأن السياسي أو التحدي بمعاملة تشريع معين، باعتباره من الحقوق الثابتة لأي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية لا يجوز نقضه، إذ إن من شأن ذلك أن يفرغ رقابة الدستورية من مضمونها، بل يجردها من كل معنى ويفضي إلى عدم خضوع أي عمل تشريعي لرقابة الدستورية، وهو أمر لا يستقيم – في فهم القانون – القول به، فجهة الرقابة على الشرعية الدستورية لا تتخلى عن مسؤوليتها، ملتزمة بأداء وظيفتها القضائية التي أولاها إياها الدستور، باعتبارها الحارسة على أحكامه، تدعيماً لمبدأ سيادة الدستور، بوصفه المعبّر عن إرادة الأمة، ضماناً بالصون الدستوري والحفاظ على كيانه».
هذا ما جاء في حُكم المحكمة الدستورية الصادر في 25 سبتمبر 2012، برفض الطعن المقدَّم من الحكومة.
وبهذا الحكم تكون المحكمة قد أرست قاعدة أساسية في الفقه الدستوري تدحض ما كان معمولاً به سابقاً بعد امتداد اختصاصها إذا ما صنف تشريع ما بأنه قرار سياسي من أعمال السيادة، وهو ما استندت إليه مذكرة الحكومة في مواجهة الطعون المقدمة بالمرسوم.
فإذا اتسق قرار المحكمة، المنتظر في 2013/6/16، مع الحيثيات أعلاه، فقد يؤدي ذلك إلى اتخاذ قرار بإلغاء مرسوم الصوت الواحد، مثلما رفضت المحكمة الطعن المقدَّم من الحكومة في قانون الدوائر الخمس بأربعة أصوات.
وفي هذه الحالة، أي إبطال مرسوم الصوت الواحد، سيكون قرار المحكمة حاسماً في إنهاء الجدل وفك حالة الاحتقان، وربما عودة الأمور إلى حالها الطبيعية، على أن يُعيد المجلس القادم، بعد استعادة شرعيته، النظر في قانون الانتخابات، للوصول إلى نظام انتخابات يعالج ما فيه من مثالب.
أما إذا جاء قرار المحكمة بأي صيغة أخرى تؤدي إلى إبقاء مرسوم الصوت الواحد، فإن ذلك لن يحسم الجدل والسجال، ولن يؤدي إلى انفراج الاحتقان، لأن قانون الصوت الواحد سيبقى محل رفض من قطاعات واسعة في المجتمع الكويتي، باعتباره قانوناً مليئاً بالعيوب، لا يؤدي إلى إنتاج حياة ديمقراطية صحية ولا انتخابات تعبّر عن إرادة الأمة، ولا يدفع لتطوير الحياة البرلمانية.
إلى جانب أنه بدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية، فإنه يؤدي إلى تعميق الانقسامات في المجتمع، وغير صحيح قول البعض بأن الصوت الواحد هو النظام المعمول به في الكثير من بلدان العالم، فالأنظمة التي تطبّق الصوت الواحد يكون الانتخاب لمرشح واحد في دائرة لها مقعد واحد، أي واحد لواحد، ولا يوجد نظام يكون الانتخاب لمرشح واحد من عشرة يمثلون الدائرة.. لذلك، فإن الفائز يتطلَّب الحصول على نسبة تتراوح بين 32 و70 في المائة من أصوات الدائرة، وهذا وفق كشف نتائج الانتخابات البريطانية الأخيرة لعام 2010، ومتوسط النجاح هو فوق 50 في المائة من أصوات الدائرة.
وفي الولايات المتحدة، فكان النجاح في انتخابات مجلس النواب الأخير عام 2012 لا يقل عن 50 في المائة في كل المقاعد، وشذ عن ذلك مقعدان اثنان فقط من أصل 400 مقعد، حيث كان الفوز في أحدهما بهما بنسبة 48 في المائة والثاني 49 في المائة.
فيما نظام الصوت الواحد في الكويت تتراوح نسبة النجاح بين 2 في المائة أو أقل و10 في المائة من أصوات الدائرة، وهي نسبة لا تعبّر عن إرادة الناخبين في الدائرة.
لذلك، إذا جاء قرار المحكمة الدستورية لصالح بقاء نظام الصوت الواحد، فلن يؤدي إلى حسم الجدل والسجال، كما يظن البعض، بل إنه ربما عمَّق الأزمة، وزاد من حدة الاحتقان.
نقلا عن جريدة الطليعة