
سعاد المعجل
عضو المكتب السياسي
مع قدوم رمضان، تبدأ حمى الاستهلاك في التصاعد، وقد استعرضت «القبس» منذ فترة تقريراً حول تفشي ثقافة الاستهلاك في الكويت وبشكل مرضي، وسلط التقرير الضوء على أوجه المعاناة، التي سقط المجتمع بأكمله في فخها بفعل ترسيخ هذه الثقافة، وهو أمر أحدث خللاً واضحاً في الشخصية الكويتية وبشكل أصبحنا نلمسه يومياً في بعض شبابنا على وجه الخصوص!
التقرير تناول معلومات مخيفة، منها على سبيل المثال: ظاهرة إدمان الشراء والتقليد الأعمى وثقافة الماركات واعتماد القروض للحصول على مستلزمات غير ضرورية!
المجتمع يتهم الشباب بالسطحية وبالانحراف الاستهلاكي المجنون، وهوس الموضة والماركة، لكنه – أي المجتمع – لا يعترف بأن مهمة الخروج من نفق الاستهلاك الأعمى لا يمكن أن تكون مهمة الشباب وحدهم، لأن ذلك أساساً يعود إلى ثقافة يرسخها المجتمع وينميها ويروجها! هنالك تعريفات اقتصادية لهوس الاستهلاك، فمثلا يُعرّف الاقتصاد الفائض بكونه نتيجة تفوقالانتاج على الاستهلاك، كذلك يُعْرف هوس الاستهلاك بكونه الافراط في استهلاك مواد نحن لسنا بحاجة اليها!
هنالك ولا شك أمور تتحكم في استفحال ظاهرة الهوس الاستهلاكي، منها ما يتعلق بالظروف والمظاهر الاجتماعية، وهي مسألة واضحة في حالة الكويت، حيث أصبح تقييم الفرد في المجتمع مرتبطاً بمظهره الخارجي وباستخدامه للماركات الباهظة الثمن، وهو أمر وإن حاول البعض إنكاره إلا أن الواقع يقول غير ذلك، فالاستخدام المفرط للماركات من حقائب وملابس وغيرها جعل من الكويتيين نماذج مستنسخة من بعضهم البعض، وبشكل ألغى الفروقات الشخصية الطبيعية، التي عادة ما يتكون منها المجتمع! فالمظهر الخارجي من ملبس وغيره يشكل جزءاً مهماً من الشخصية، ويعكس سمات تجعل الناس مختلفين ومتنوعين!
كذلك تلعب الاعلانات والاعلام دوراً رئيسياً في ترسيخ هوس الاستهلاك لدى المواطن، فهو ـ أي الإعلام – ساهم في فرض شكل نمطي للفرد ونموذج واحد تقريباً مؤطر بالشكل والمظهر الخارجي، وذلك بما يروج له من منتجات وماركات مستعيناً بأيقونات فنية واعلامية ورياضية يرى فيها الشباب خاصة قدوة وإلهاماً!
قد لا نكون وحدنا المجتمع الذي بات يعاني وبشدة من هوس الاستهلاك، فجميع دول النفط الغنية أصبحت أسيرة هذا الهوس، وذلك بالطبع بسبب الوفرة المالية وغياب الثقافة الانتاجية، التي عادة ما ترعاها الدول المتقدمة، وذلك من خلال مؤسساتها التعليمية والاعلامية!
ثقافة الاستهلاك وهوسه في الكويت وغيرها من دول الخليج أصبحت ظاهرة اجتماعية يتطلب علاجها بشكل جاد، ليس فقط لأثرها المباشر على دخل الفرد والاقتصاد، بل أيضا لتداخلها مع قيم أخرى وبشكل بات خطيراً.
وما ظاهرة المولات التجارية، وصناعة الحلويات التي راجت بين الشباب، وتكدس المقاهي والمطاعم إلا مؤشرات على عمق الازمة وتداعياتها!
هوس الاستهلاك بهذا الشكل يعني اننا لا نملك خطة.. ولا بُعد نظر مستقبلي، وهذا بالطبع يعكس نهج دولة بأكملها، وليس نهج أفراد في مجتمع وحسب، وتلك هي المأساة، فالواقع مرير، والحنكة والوعي مغيبان، بين مجتمع تائه في مولات ومقاه، وبين دولة غابت عنها الخطة فتاهت هي الأخرى!
نقلا عن جريدة الطليعة