سعاد المعجل: سنة السبلة

سعاد المعجل عضو المكتب السياسي

سعاد المعجل
عضو المكتب السياسي

التاريخ يعيد نفسه بشكل كبير، لذلك فهو – أي التاريخ – يشكّل مرجعاً للتعلم لمن يقرأه بحذر وتبصّر.

إعلان المملكة العربية السعودية مجموعة من تيارات وكتل الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان مجموعات إرهابية محظورة، هو إعلان حرب سبق أن تكرر في التاريخ الذي ليس ببعيد.

معركة السبلة، كما تقول المصادر، كانت معركة مشابهة للمعركة المقبلة التي ستخوضها المملكة ضد الإخوان. معركة السبلة هي معركة حدثت في 30 مارس من العام 1929 بين مملكة الحجاز ونجد وملحقاتهما بقيادة الملك عبدالعزيز، وبين قوات الإخوان بقيادة فيصل الدويش، وانتهت بانتصار قوات الملك.

الخلفية التاريخية لهذه المعركة، كما أوردتها المصادر، تقول إنه وبعد انتهاء الحرب الحجازية، وضمّ الحجاز إلى نجد، أراد الإخوان إكمال الفتوحات إلى العراق، فواصلوا غاراتهم على القبائل العراقية، بحجة الجهاد.

وبالفعل، بدأ هجوم إخوان مطير على الحدود العراقية، وكرد فعل نفذ سلاح الجو البريطاني بالعراق غارات جوية عليهم، وتجمَّعت القبائل العراقية تحت قيادة غلوب باشا.

تفاوت المؤرخون في تحديد وقائع وأسباب معركة السبلة.. فبينما وصفها ديكسون بأنها معركة يكتنفها الغموض، نجد أن مؤرخين آخرين استعرضوا أسبابها، بكونها تعكس نقمة الإخوان -آنذاك- على الملك عبدالعزيز، لأسباب مختلفة، أولها اعتراضهم على استخدام الملك للبرق واللاسلكي، والتي اعتبروها من أعمال السحر، وبكونها مسألة حادثة في آخر الزمان، ولم يتحدَّث عنها أهل العلم، كما اعترض الإخوان على الملك، لأنه لم يقم بإرسال دعاة إلى المناطق التي تولاها لتعليم أهلها أمور دينهم، وأيضاً رأى الإخوان حينها أن الملك منع الناس من الجهاد ووثق علاقته مع الكفار، وفق تعبيرهم، وفي النهاية عقد الإخوان مؤتمراً عُرف بمؤتمر الارطاوية، أعلنوا فيه الخروج على الملك عبدالعزيز، ومن بعده بدأت المعركة التي انتهت بهزيمتهم.

القرارات الأخيرة التي أصدرتها المملكة العربية السعودية متشابهة، وبشكل كبير، مع قرارات الملك عبدالعزيز في بداية القرن، وذلك حين عقد مؤتمراً في الرياض تم بحث التالي فيه:
أولاً: الكفر لا يُطلق على بادية المسلمين الثابتين على دينهم.

ثانياً: لا حق للمهاجرين أن يعتدوا على الناس أو يتهددونهم، أو يلزمونهم بالهجرة.

ثالثاً: لا يحق لأحد أن يهجّر أحداً، بدوياً كان أو حضرياً، بغير أمر واضح وكفر صريح ومن دون إذن من ولي الأمر أو الحاكم الشرعي.

رابعاً: لا تفاوت بين لابس العقال ولابس العمامة إذا كان معتقدهما واحداً.

لاشك أن الصراع بكافة أشكاله يعد محوراً رئيساً في علاقة البشر بعضهم ببعض، لكن يأتي الصراع على المرجعية والعقيدة كأشرس أنواع الصراع، وهو بالتحديد ما تعانيه الأمة العربية اليوم، وخاصة في ظل الآمال المعقودة على إفرازات الربيع العربي، التي فجَّرت ثقافة الحريات والحقوق الفردية بكافة أشكالها والديمقراطية كنهج حتمي لولادة المجتمع السليم، لذا يأتي مسلك الإخوان وغيرهم من تيارات الإسلام السياسي كمعوق رئيسي قد ينقلب معه ربيع العرب إلى خريف، وعودة التاريخ بهذا الشكل تحذرنا من الوقوع من جديد في فخ الصراع على المرجعية العقائدية، بعد أن أثبت – أي التاريخ – عقم مثل هذا الصراع.

نقلا عن جريدة الطليعة