
حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي
من يقرأ كتاب تاريخ الكويت الواقع في 3 أجزاء لمؤلفه محمد اليوسفي، لابد أن ينبهر لهذا الكم المتراكم من جلل الأحداث المهمة، وتنوُّع المخاطر التي اعترضت مسيرة الكويت منذ نشأتها حتى الاستقلال، وما تلا ذلك من جسام الحوادث، التي لو اعترضت بعض الدول الناشئة، لفتكت بها، ونالها الهدم والاندثار، لولا حبور دولتنا بقادة ملكوا زمام السياسة، وتصرَّفوا بحكمة ودهاء لعبور بحر متلاطم من الأحداث الإقليمية والدولية الحادة التي كادت تعصف بوطننا وترديه للمجهول.
تاريخنا مليء بالأحداث التاريخية الفاصلة والمعارك التي حرَّكتها الأطماع نحو محاولة السيطرة على كويتنا، أو مد نفوذها إليها أحيانا، وأحياناً أخرى كادت تكون بمهب الريح، لحدة الصراعات الإقليمية التي وجدنا أنفسنا في معمعتها، وكان علينا لزاما التصدي والوقوف في مواجهة التهديدات والتحديات الخارجية.
في الجزء الأول من هذا الكتاب، يسلط المؤلف الضوء على تهديدات الجيران، وتبدل مواقف حكامها، سلباً وإيجاباً، من السلطة بالكويت، ويوثق للمؤامرات الدولية التي حيكت للسيطرة على الكويت.
ويستعرض الكاتب المعارك التي خاضها الكويتيون نصراً وهزيمة، ومحاولات دول المصالح المتضاربة للتدخل بالشؤون الداخلية عندنا، وتأثير نتائج الحرب العالمية الأولى على وضعنا الداخلي.
ما شدني لقراءة الكتاب، استعراضه وكشفه للأساليب التي اتبعها حكام الكويت في التصدي للمخاطر والصعاب التي حاقت بالكويت، وقدرتهم الفائقة على المراوغة والمناورة واقتناص الفرص، وتوقعاتهم الصائبة في اتخاذ القرار الأرجح في الوقت المناسب، وهذا مما لا يُستهان به عند اختيار القائد الفذ، فالسياسة والدبلوماسية والمفاوضات والتحالفات واللعب على التوازنات الدولية لدولة صغيرة مثل الكويت أولوية وخيار استيراتيجي، يؤكد التاريخ جدواه وأفضليته.
أنا لا أسوّق لكتاب اليوسفي، ولكن أن يمنع ويصادر كتاب قيّم مثل هذا، رغم لجوء الكاتب إلى توثيق أحداثه من المصادر الموثقة والمعتمدة من أرشيفات مختلفة، فتلك جناية بحق وطننا، لأن جميع الدول المتحضرة تستقي الفوائد من تجاربها التاريخية النافعة أو الفاشلة.. ولأن التاريخ منجم الخبرات والتجارب، بل إن أعظم الإمبراطوريات تبيح بعد مرور سنين محددة أرشيفها المتخم بالأسرار للقاصي والداني، لأنها تؤمن بأن من حق الأمم الاطلاع على غوامض الأحداث، وكشف المستور من خباياها.
لكن مسؤولينا، كما يبدو، في سبات شتوي، وقد حرموا جيلا كاملا من الاطلاع على تفاصيل تاريخ أجداده، وكفاحهم ببسالة لحقهم في الوجود، ونظالهم للمشاركة في الحكم، وممارسة إرادتهم في التشريع والرقابة.
كتاب اليوسفى بُذل فيه جهد مضٍ وبحث دؤوب، وفيه من العبر والأحداث ما يوجب الاطلاع عليها، وفيه ذكر للعديد من الشخصيات الوطنية الشامخة التي ينبغي للشباب الاقتداء بها، لبناء مستقبل أكثر إشراقاً لوطننا الكويت.
نقلا عن جريدة الطليعة