
عبدالله النيباري
الأمين العام الأسبق للمنبر الديمقراطي
آخر صرعة في أجندة جماعة الاخوان وحلفائهم، هي اتهام دول الخليج العربي «السعودية والامارات والكويت» بالضلوع في المؤامرة لاسقاط حكم الاخوان في مصر وإزاحة مرسي من الكرسي.
فعلى اثر إعلان دول الخليج تقديمها مساعدات مالية لمصر بلغت في مجموعها 12 ملياراً، نصفها تقريباً مساعدات، والنصف الآخر ودائع لدى النظام المصرفي في مصر، على اثر ذلك، انطلقت حملات هجوم الاخوان على دول الخليج، متهمة إياها بمساندة ما سموه الانقلاب على حكم الاخوان، والظلم الذي حاق بهم، ولم تقف الاتهامات عند المساندة، بل تجاوزت ذلك إلى الاتهام بالتآمر مع من اسمتهم فلول نظام مبارك والجماعات الليبرالية والعلمانية واليسارية والعسكر ضد الاخوان، وان دوافع المشاركة في المؤامرة هو خوف دول الخليج وأنظمتها المحافظة، التي تمارس كبت شعوبها وحرمانها من أبسط حقوق الانسان في التمتع بالحريات وحق المشاركة في صنع القرار وإدارة شؤون البلاد.
هكذا تحولت دول الخليج فجأة من ملجأ وملاذ للإخوان والسلف وجميع شرائح التيارات الدينية وممولين لهم على مدى نصف القرن الماضي، منذ صدامهم مع الرئيس عبدالناصر بعد محاولة اغتياله، إلى دول متآمرة عليهم، لأنهم قدموا مساعدات مالية لمصر بعد سقوط حكم مرسي وجماعة الاخوان.
قد يكون صحيحاً أن أنظمة دول الخليج المحافظة لا ترحب بالربيع العربي وإفرازاته ببزوغ أنظمة ديمقراطية تتمتع فيها الشعوب بالحرية والعدالة والكرامة والنهوض الاقتصادي، وتخشى أن تنتشر العدوى إليها، هذا تقرير واقع، ولكن ان تفسر مساندتها بأنها ضلوع وشراكة في التآمر مع أميركا وأحياناً تضاف إسرائيل ضد حكم الاخوان، باعتباره طليعة ونموذجاً للحكم الديمقراطي، فذلك أمر يصعب تصديقه وهضمه، فإذا كانت هذه رؤيتهم، فكيف نفسر معونات قطر التي تستضيف أكبر قاعدة في الشرق الأوسط، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي لها علاقات مع اسرائيل، وحماسها المنقطع النظير للإخوان، ومنها يصدح القرضاوي بفتاواه التحريضية من الدوحة وعبر قناة الجزيرة ضد حركة يونيو التصحيحية؟. فهل أميركا تتآمر مع السعودية والإمارات والكويت على الإخوان، وفي الوقت نفسه تتآمر مع قطر والقرضاوي وقناة الجزيرة على حركة تمرد – 30 يونيو – التصحيحية؟ لاشك في أن ذلك يربك العقل ويناقض المنطق.
من جانب آخر، ومقابل تفسير المؤامرة، قد يكون هناك تفسيرات أخرى، منها أن موقف هذه الدول، وعلى الأخص السعودية، هو محاولة لكسب مصر بعد الثورة التصحيحية في مواجهة ما يخشونه من تمدد النفوذ الايراني في العراق وسوريا ولبنان. ومنها أن بعض هذه الدول لديها خلافات مع جماعات الاخوان مثل الامارات مؤخرا، وقبل ذلك السعودية، التي سبق أن عبر عنها المرحوم الأمير نايف بن عبدالعزيز بهجومه اللاذع ضد الاخوان.
ومنها أيضاً خوف السعودية من محاولات التقارب بين نظام الاخوان وايران، وشاهد على ذلك رفض السعودية لمقترح مرسي العتيد بأن تشارك مصر وتركيا والسعودية وإيران في لجنة لمعالجة أزمة نظام الأسد مع الشعب السوري، وانسحاب السعودية من هذه المبادرة كان لعدم الثقة بموقف مرسي وعدم وضوحه، خصوصاً انه قد وافق على الموقف الروسي من الازمة في سوريا. وقد يضاف إلى ذلك أيضاً في دوافع مساندة دول الخليج لمصر، هو التقرب إلى الشعب المصري بعد ثورته الشعبية ضد مرسي وحكم الاخوان، التي شارك فيها ما يقارب الثلاثين مليوناً، وسبقها عرائض «تمرد»، التي وقع عليها 23 مليون مواطن مصري.
وتدخل العسكر لحسم الأمر هو اصطفافهم مع هذه الجماهير، التي أغلق الاخوان أعينهم عن رؤيتها، وتحجرت عقولهم عن التفكير فيها وقراءة هذا الحدث قراءة صحيحة.
وإذا كان للعسكر دور في حسم الأمر وإزاحة مرسي من الكرسي، فأيضاً كان للعسكر دور مشابه في إزاحة حسني مبارك، بل كانوا العامل الحاسم آنذاك، ومن دونهم ما كان بالامكان إزاحته.
ولم يجد الاخوان غضاضة في التعايش مع حكم العسكر بعد 25 يناير والتعاون معهم على مدى سنة ونصف، وكان لهم النصيب الأوفر في اللجنة التي شكلت لتعديل الدستور.
خلاف الاخوان مع العسكر جاء بعد وصولهم لكرسي الرئاسة، والبدء بتطبيق مخططهم للاستيلاء على مؤسسات الدولة في ما سمي ببرنامج الاخونة، فاستغلوا فرصة تعرض قوى الأمن والجيش في سيناء للهجوم من قبل الجماعات الارهابية وأزاحوا العسكر.
واليوم تظهر الحقيقة بأن تلك الجماعات الارهابية ليست بعيدة عن علاقتها بالاخوان، وقد كشف ذلك أحد قيادييهم محمد البلتاجي الذي صرح بأن الهجوم الذي حدث أخيراً ضد القوات المسلحة في سيناء سيتوقف لحظة عودة مرسي إلى الكرسي، وهو همهم الأساسي، متذرعين بشرعية صندوق الانتخابات بعد أن مزقوا كل الأسس والضوابط الضامنة لشرعية هذا الصندوق، ولو استمر حكمهم أطول من ذلك فلن يجد الشعب لا الصندوق، ولا الشرعية، التي ستتلاشى أمام التذرع بالدين، وتطبيق شرع الله وفق نسختهم ونتاج فكرهم الذي لا علاقة له بصحيح الدين الاسلامي.
واليوم يهدد الإخوان باستخدام العنف وتحويل مصر إلى ما يشبه سوريا أو العراق والعودة إلى أساليبهم القديمة من اغتيالات وتفجيرات، ولكن ذلك كما يرى المتابعون والخبراء انه قد يعرقل مسيرة الثورة التصحيحية، ولكنه لن يوقفها، وان اللجوء إلى العنف والارهاب في الأغلب أقرب إلى المحاولة الانتحارية، وقد يؤدي إلى تقليص حجمهم ودورهم في الحياة السياسية بعد انكشاف فشلهم في إدارة شؤون البلاد والعباد وثورة الشعب المصري ضدهم.
في نهاية المقال أشير إلى تصريح ابراهيم منير زعيم التنظيم العالمي للاخوان، الذي هو أقرب الى النكتة، فقد جاء في مقال له في «الشرق الأوسط 14/7/2013» بأن «جموع المشاركين في تجمعات الاخوان فاقت الاربعين مليوناً احتجاجاً على الانقلابيين»!
«تمرد» كانوا متواضعين، وقالوا إن الموقعين على استماراتهم بلغوا 23 مليوناً، والجموع التي شاركت في ثورة 30 يونيو قدرت بحوالي 30 مليوناً، وقد شاهد الناس في مصر وخارجها حجم تلك الجموع. فمن أين جاء زعيم التنظيم العالمي للاخوان بالأربعين مليوناً؟
كان الناس يشككون في صحة بصيرة الاخوان، الآن الشك في بصرهم، فهم لا يرون إلا ما أرادوا ان يروه لا ما يراه الناس كافة.
نقلا عن الطليعة