أحمد الخطيب : فلسطين يتيمة.. وربيع الكرامة سيحقق النصر

د. أحمد الخطيب

د. أحمد الخطيب

«لا أرحمك ولا أخلي رحمة الله تنزل عليك».. هذا هو شعار المسؤولين العرب، فالوقائع تعري المواقف الرسمية:

1- محنة فلسطين هي محنة الأمة العربية، فهي تربط المشرق العربي بمغربه، وهذا يشكّل خطراً أكيداً على مصالح الدول الكبرى، فلا أحد من هؤلاء يقبل بوجود دولة عربية واحدة لديها إمكانات مادية وبشرية تهيمن على هذه المنطقة الاستراتيجية في العالم. هذه كانت سبب الغزوات الكثيرة عبر العصور.

2- معظم الأنظمة العربية الحاكمة هدفها الوحيد هو المحافظة على السلطة، بمساعدة قوى خارجية توفر الحماية لهؤلاء، مقابل الالتزام بتنفيذ مخططات هذه الدول للتحكم في مصير المنطقة.

3- الدول الكبرى تزود إسرائيل بالقوة العسكرية اللازمة لحمايتها، وتمنع العرب من الحصول على أي سلاح فعَّال يهدد إسرائيل.

4- كان لدى إسرائيل جيش من خمسين ألف مقاتل، شارك في الحرب العالمية الأولى وخاض حرب 1948، فيما كان عدد جنود جيوش الدول العربية مجتمعة لا يتعدى ربع هذا العدد، من دون سلاح فعَّال، وكان العالم يعرف نتيجة هذه الحرب قبل أن تقع.

5- كان الجنرال غلوب الإنكليزي قائداً للجيش الأردني، وقد قاد هذه المعركة ممثلاً حكومة الأردن على أساس أن جيشها هو أفضل جيش عربي مدرَّب.

6- الخطوة الإيجابية الوحيدة التي اتخذتها القمم العربية، هي الاتفاق الذي حصل بين جمال عبدالناصر والملك فيصل في مؤتمر الخرطوم برفض الاستسلام واستعمال سلاح النفط بشكل جزئي بعد هزيمة حزيران 1967 المذلة.

شيمون بيريز، مهندس القنبلة الذرية الإسرائيلية، قال: إن لاءات الخرطوم أسقطت الخيار العسكري في كتابه عن المستقبل الآخر للمنطقة.

وكذلك، فإنه حتى الدول المتخلفة نسبياً أصبح بمقدورها صنع أسلحة الدمار الشامل الرخيصة – الكيماوية والبيولوجية، وكذلك الصواريخ البسيطة القادرة على تغطية كل إسرائيل.

7- ومع أن الحل العسكري كان غير وارد بالنسبة للمسؤولين العرب، إلا أنهم لم يقدموا العون المادي للشعب الفلسطيني، لمساعدته في التغلب على الحصار المفروض عليه، لإرغامه إما بالقبول بعيشة ذليلة وإما الهجرة. كانت الأموال الهائلة، الموجودة عند بعض الدول النفطية، قادرة على تمويل المشاريع الاقتصادية الصغيرة، التي يزاولها الفلسطينيون، ودعم مؤسساتهم التربوية والصحية والاحتفاظ بممتلكاتهم من مساكن ومزارع ومتاجر وعدم بيعها بسبب الفاقة.

عدم القيام بهذا الواجب، هو دعم للحصار الاقتصادي لإنهاء الوجود الفلسطيني في فلسطين.

8- بعض الأنظمة العربية ترى في قيام دولة فلسطينية ديمقراطية خطراً على وجودها دونه الخطر الإسرائيلي.

9- لم يوفق الشعب الفلسطيني بوجود قيادة واعية تفهم خطورة الوضع العربي والدولي، وتدرك مبكراً عدم وجود «هانوي» عربية داعمة للعمل المسلح لتحرير الأرض، فأصبحت التنظيمات الفلسطينية خارج الاحتلال أسيرة الجغرافيا والمال العربي الرسمي، الذي تحتاجه، لتصرف على كوادرها المتعددة.. ميزانيات ولو أنها متواضعة، إلا أن الحصول عليها ذاتيا كان ولايزال متعذراً.

10- مشاريع كثيرة كان من الممكن تبنيها من قبل تحالف دول عدم الانحياز والدول الاشتراكية لمحارية هيمنة أميركا على المؤسسات الدولية، مثل تشكيل هيئة أمم أخرى منافسة وصندوق تنمية دولي بدل البنك الدولي، لكن سياسة الدول تقررها المصالح وليست المثل الإنسانية العليا، وهذا المرض هو ثمة المرحلة الراهنة والسبب في كل ما تعانيه البشرية منذ بداية الخلق.

11- رغم حصول منظمة التحرير على اعتراف بها كعضو مراقب في هيئة الأمم، فإن الحصول على العضوية كاملة من قرار للجمعية العمومية هو التخلص من النقض الأميركي في مجلس الأمن، ولم تبادر الدول العربية إلى القيام به حتى الآن، مع أنها تعلم بأن إسرائيل قامت بقرار من الجمعية العمومية، كذلك الآن هناك نظرة متغيرة واضحة عالميا إلى إسرائيل، بعد أن اتضحت عنصرية هذه الدولة، وأصبح كثيرون يدركون زيف الديمقراطية الإسرائيلية، ويعدونها دولة عنصرية، كما كانت عليه جنوب أفريقيا. هذا النظام العنصري الذي انهار سريعاً عندما بدأت مقاطعته عالمياً.

ويجب ألا ننسى أن احتكار الصهاينة للإعلام العالمي، بكل أنواعه، قد انهار، بفضل ثورة الاتصالات الحديثة، التي استطاعت أن تبث مباشرة تصرفات إسرائيل غير الإنسانية ووحشيتها ضد الفلسطينيين، ليراها العالم كله لحظة حدوثها. ويذكر اليهودي إسرائيل شاهاك، وهو رئيس سابق لإحدى الجمعيات الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان والحقوق المدنية، سبب كراهية الأوروبيين لليهود، فيقول: «إن الديانة اليهودية تعد قتل غير اليهود واجباً كلما أتيحت لهم الفرصة، والسبب الثاني هو اعتماد معظم أمراء أوروبا على اليهود في جمع الضرائب، وهؤلاء يجبرون المزارعين الأوروبيين على دفع مبالغ طائلة، ليأخذوا حصتهم منها، فهم في نظر الشعب الأوروبي حلفاء للحكام الطغاة، فعندما يُطاح بهؤلاء الحكام ينتقم الشعب من اليهود الخلفاء للحكام».

12- لابد من الإشادة بوعي خليل الوزير «أبوجهاد» عندما كرَّس جهده لمساعدة الفلسطينيين تحت الاحتلال للمقاومة والمكانة العالمية التي حققتها انتفاضة أطفال الحجارة. هنا أدركت إسرائيل خطورة هذا التحرُّك، فقامت باغتياله في تونس على مرأى، إن لم نقل بمعاونة النظام التونسي، آنذاك، وكانت ضربة مؤلمة لهذا التحرُّك، إلا أن هذا الحراك لم يمت، وها نحن نشاهد الآن تحركه من جديد، بعد أن ملَّ الألاعيب السياسية، التي باتت سمة مشتركة لسياسيينا في الوقت الحاضر في كل مكان. فالربيع العربي بدأت تباشيره في الأرض المحتلة، ليلتحق بالربيع العربي الواسع، ربيع الكرامة الذي سيحقق النصر مهما كانت التكاليف والصعوبات والآلام التي نمر بها في هذه المرحلة، وهذا ثمن لابد لنا من دفعه لتحقيق المجتمع الذي ينشده الأحرار في كل مكان.

نقلا عن جريدة الطليعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*