
سعاد المعجل
عضو المكتب السياسي
حين ظهر الفاكس كجهاز خارق، حاول النظام في سوريا إبان عهد حافظ الأسد منع استخدامه وتجريم شرائه، وإلى حد كبير استطاع النظام ذلك، وبقي الفاكس محظوراً في سوريا لمدة طويلة.
اليوم تحاول تركيا «أردوغان» تحدي التكنولوجيا وفضائها اللامتناهي، فتحجب «تويتر».
فتثور حمى الشباب الذي رضع حرية هذا الفضاء الممتد، وأصبحت جزءاً من مكتسباته ومطالبه وحقوقه.
حين انفجرت ثورات الربيع العربي، لم تكن الساحات والميادين والأرصفة هي نطاق معركتها، وإنما كانت المعركة بينها وبين السلطة معركة إلكترونية، كل طرف فيها سعى إلى التحكم في مسار وسير المعلومات عبر شبكات ضوئية وإلكترونية متناهية في الصغر والحجم، ومتباعدة في سرعتها وانتشارها.
لقد لعبت مواقع مثل «فيسبوك» و«تويتر» دوراً أساسياً لكسر الحصار عن أي محاولة لحجب المعلومات ومنعها من التسرب إلى العالم، وقد كان لتلك المواقع الإلكترونية دور في مواكبة أحداث مصر بعد ثورة 25 يناير، وإثر محاولة الرئيس السابق حسني مبارك فرض رقابة على حركة وسير المعلومات، كما ساعدت تلك المواقع غير الرسمية الصحافيين من كافة دول العالم في تتبع أخبار مصر وبدقة متناهية.
«البوك فيس» كما أسماه الزعيم الطاغية معمر القذافي كان البعبع الخفي الذي خشيه كل زعماء العرب من الذين تساقطوا والذين لايزالون يغامرون بأرواح وقدر شعوبهم، والجنود الذين كانوا خلف «فيسبوك» و«تويتر» لم يكونوا من المدربين عسكريا وقتاليا، لكن سلاحهم كان أكثر شراسة وأقوى من كل قوات القذافي الخاصة، وكل أجهزة أمن الدولة المصرية.
نظام الرقابة التقليدي سقط مع سقوط الأنظمة التقليدية، وإذا كان أردوغان أو غيره يرغب في إحكام قبضته على العقول والوعي الشبابي المتفجر، فأولى به وبنظامه أن يبحث عن أساليب وطرق تتفق على الأقل مع ما أحدثته ثورة المعلومات والتقنيات من تغيير في كل وسائل الاتصال والتواصل.
حاولت الصين من قبل كبح جماح الإنترنت الهادر، فسعت إلى حجب مواقع ومنع أخرى، بحجة أن الإنترنت يروج للسياسة الأميركية الخارجية، لكن الشركات الصينية تنازلت في النهاية عن الكثير من محظوراتها وقوانينها، ورأت ضرورة محاورة شركات الاتصالات، بدلاً من حجب مواقعها أو منعها.
إن حرية التعبير وحرية الإنترنت أصبحت جزءاً من مطالب الشعوب اليوم، بما في ذلك الشعوب المقموعة، كحال شعوبنا، ولا نستثني تركيا هنا.. لذا، أتصور بأن مثل هذه المطالب ستخلق تحالفاً دولياً، وخاصة من فئات الشباب، الذين يسعون لترسيخ حق الإنترنت كأحد الحقوق والمكتسبات الفردية، ومثل هذا التحالف إن قام، فسيجعل من خطوة أردوغان لحجب «تويتر» مشروعاً من مشاريع الماضي الغابر.
نقلا عن جريدة الطليعة