
عبدالله النيباري
الأمين العام الأسبق
لسوء حظ الكويت، أن يكون نصيبها استضافة اجتماعات القمة العربية الخامسة والعشرين، في ظروف يشهد فيها الإقليم العربي تمزقاً وصراعاً غير مسبوقين، على الأقل في تاريخ المنطقة الحديث، سواء داخل الأقطار العربية، كما هي حال سوريا والعراق وليبيا واليمن والجزائر، أو بين الدول العربية، كما هي حال العراق وسوريا وبعض الدول العربية، أو حتى في البيت الخليجي، كحال قطر وبقية دول الخليج.. فماذا يمكن أن تتخمض عنه اجتماعات القمة العربية؟
في هكذا أجواء، وقد غاب عنها تسعة من رؤساء الدول، منهم أربعة من دول الخليج، ومن الدول التي غاب رؤساؤها أطراف رئيسة في الصراعات التي تشهدها المنطقة.
تسميات عدة
تسميات عدة أطلقت على اجتماعات هذه القمة، فالتسمية الرسمية أطلقت عليها «قمة التضامن من أجل مستقبل أفضل»، أو «قمة المصالحات الكبرى».. أما بعض الصحف، فقد أعطت تسميات أخرى، مثل «قمة العودة إلى المسار الصحيح» (القبس)، أو «قمة الحد الأدنى من التضامن» (الحياة)، أو «قمة البيت المتصدع»، والأخيرة لغسان شربل في «الحياة»، وهي الأقرب إلى واقع الحال، والأكثر قربا في نظري، وأعني بذلك إذا انتهت اجتماعات القمة اليوم من دون أن تضيف المزيد من التمزق والصراع.
أما ما جاء في مشروع أجندة الاجتماع، فقد تطرَّق إليها خطاب وزير خارجية الكويت صباح الخالد، مثل لمّ الشمل، ومكافحة الإرهاب، والقضية الفلسطينية والوضع في سوريا، أو ما جاء في تصريح وكيل خارجية الكويت خالد الجارالله عن التباحث حول مسيرة السلام، ودفع وتيرة الآليات بما يخدم العمل العربي الاقتصادي.. كل هذه البنود تعبّر عن آمال وتمنيات طيبة، لكن الواقع العربي الممزق وأنظمته السياسية الفاقدة لإرادة العمل المشترك عوامل تجعل تحويل الأماني والآمال أمراً صعباً.
فشل
فالعمل الاقتصادي المشترك كان مطروحاً على جدول أعمال الجامعة العربية، منذ إنشائها، ومشاريع التعاون الاقتصادي طرحت قبل السوق الأوروبية المشتركة، ولكنها لم تتحوَّل إلى واقع، فالدول العربية فشلت في الاستفادة من ثروة الغاز الطبيعي واستخدامه في توليد الطاقة، حتى بين الدول المتجاورة، فكيف نقفز إلى الربط الكهربائي والسكك الحديدية بين الدول العربية؟ وكيف نقفز إلى الاتحاد الجمركي، ونحن عجزنا عن تنفيذ بنود الاتفاقيات العربية العديدة، وما أكثرها، في ما عدا اتفاقية الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية؟ ومن المؤكد أن الارتقاء بمستوى التعاون الاقتصادي ضرورة ملحة لدفع عجلة التنمية، لكن ما يحول دون تحقيق ذلك، هو طبيعة الأنظمة العربية، وفقدانها للرغبة الصادقة والإرادة السياسية الحازمة.
سوريا وفلسطين
أما بالنسبة للقضايا السياسية، التي على أجندة المؤتمر، فيتصدرها الوضع في سوريا والقضية الفلسطينية، حيث يبرز التساؤل: ماذا يمكن لاجتماع القمة أن يفعل في هذا الشأن؟
فالوضع المؤلم في سوريا وإمعان نظام الأسد في استخدام كافة أسلحة الدمار في قتل البشر وتدمير الحجر عجزت معالجته مؤتمرات جنيف، وقد بدا واضحا في اجتماعات «جنيف 2» أن النظام الحاكم في سوريا ليس في وارد التسوية السياسية، التي تستجيب لمطالب الشعب السوري، وقد زاد تعنته بعد تحقيق مكاسب في ميدان المعارك المحتدم، وبالتالي، فهو لن يستجيب لدعاوى الحل السياسي، وقد قال وزير خارجيته إننا لن نذهب لجنيف لتسليم الحكم، قبل إعلانه عن ترشيح بشار الأسد لانتخابات الرئاسة القادمة، وهي تفصح عن تعنته مدعوما بالموقف الروسي ومساندة إيران وحزب الله، ومن الصعب أن يتمخض الاجتماع عن قرار يجبر النظام السوري على التراجع.
حبر على ورق
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، وهي القضية التي كانت الأهم على جدول أعمال تسع عشرة قمة من الخمسة والعشرين، فإن قراراتها، ما عدا المؤتمر الأول الذي عقد لمواجهة مخطط إسرائيل لتحويل مجرى نهر الأردن ومؤتمر القمة عام 1967 الذي أكد أنه لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل والدعوة إلى إزالة آثار العدوان وتقديم المعونات المالية لمصر، ما عدا ذلك، فإن قرارات القمم العربية بشأن القضية الفلسطينية بقيت حبراً على ورق، وآخرها المبادرة العربية المقترحة من المملكة العربية السعودية في قمة بيروت عام 2002، التي أكدت انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي المحتلة إلى حدود 4 يونيو 1967، كشرط أساس لتحقيق السلامة مع إسرائيل.
ولكن منذ ذلك التاريخ مضت إسرائيل في تنفيذ مخططاتها بالتهام الأراضي المحتلة بالاستمرار في توسيع مستوطناتها في الجولان والضفة الغربية وبناء الجدار العنصري العازل، حتى إنها رفضت إيقاف بناء المستوطنات أثناء المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وهي ماضية في إملاء الشروط على الجانب الفلسطيني، وهي قاب قوسين أو أدنى من ابتلاع القدس بكاملها والإصرار على أنها عاصمة إسرائيل.
العرب صامتون
ويقف العرب إزاء ذلك صامتين، حتى عن التصريحات السياسية الرافضة لإعلانات مشاريع بناء المستوطنات التي تنتشر في ما تبقى من الضفة الغربية، كانتشار الجدري في جسم الإنسان، فماذا يمكن أن يتمخض عن اجتماع القمة إزاء هذا الوضع؟
الحد الأدنى الذي يمكن أن تتخذه القمة كقرارات قابلة للتنفيذ، إذا وجدت الرغبة الصادقة والإرادة السياسية الحازمة، هو تقديم العون المالي لإغاثة الشعب السوري، الذي بلغ عدد اللاجئين والمشردين ما يفوق 9 ملايين داخل سوريا وفي دول الجوار، والمطلوب هو توفير الحد الأدنى لسبل العيش لهؤلاء المشردين واللاجئين داخل سوريا وفي دول الجوار، والسعي لإيجاد الطرق الآمنة لإيصال الإغاثة الإنسانية لهم، وكذلك بالنسبة للشعب الفلسطيني، المطلوب مساعدته للبقاء في أرضه، ومقاومة ضغوط العدو لدفعهم للهجرة، ولا يغيب عن البال أن الضغوط التي يواجهها الجانب الفلسطيني في مفاوضات السلام المزعومة أن العامل الأساسي في هذه الضغوط، هو التهديد بقطع الإمدادات المالية للسلطة الفلسطينية، لذا يصبح توفير العون المالي أمراً أساسياً لتمكين السلطة الفلسطينية من مقاومة الضغوط الأميركية لقبول شروط هي أبعد ما تكون عن قرارات مؤتمر القمة في بيروت عام 2002.
تقديم العون المالي للمهجرين واللاجئين من الشعب السوري، والشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، يمكن أن يكون الحد الأدنى الذي يمكن أن تقرره القمة الخامسة والعشرون في اجتماعها في الكويت.
نقلا عن جريدة الطليعة