حبيب السنافي : الدور المفقود للمؤسسات المدنية

حبيب السنافي عضو المكتب السياسي

حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي

موضوع دور وأهمية مؤسسات المجتمع المدني في الكويت ليس جديداً، لكنه لا يزال مطلباً حيوياً يجب طرحه للنقاش بين آونة وأخرى، وتسليط الضوء على أثر هذه المؤسسات ودورها، لتنال حقها من الرعاية والاهتمام الحكومي والشعبي.

ولا شك في أن المجتمعات المدنية المتطورة تقاس درجة رقيها وفاعليتها بما تضمه من مؤسسات المجتمع المدني/ الجمعيات الأهلية، من نقابات واتحادات وتجمعات وجمعيات خدمية وتعاونية وتطوعية وخيرية، وحتى مراكز البحوث والدراسات، حيث يسعى منتسبوها، عبر جهودهم التطوعية الذاتية، للاستجابة للمطالب والحاجات التي ينشدها المجتمع، بعيداً عن الروتين الحكومي والحسابات السياسية التي يتميَّز بها أداء السلطة.

فمؤسسات المجتمع المدني تنضوي تحت جناحها شرائح المجتمع المتنوعة، وطبقاتها المتفاوتة، والمستويات التعليمية المتدرجة، من العامل إلى الأستاذ الجامعي، وقد يلتحق بعضويتها سياسيون من اليمين أو اليسار أو الوسط من دون أن يكون لميولهم السياسية تأثير بالانتماء لهذه المؤسسات المدنية، لأن هذه المؤسسات إنسانية تطوعية خدماتية بالدرجة الأولى، وهذه إحدى فروقاتها مع الأحزاب السياسية المؤدلجة.

ففي هذه المؤسسات المدنية يتوافر مناخ التعايش والاندماج والتآلف بين مكونات النسيج الاجتماعي وفئاته، واختلاط الأجيال وتبادل الخبرات وتلاقح الأفكار وفرز الأفضل لاعتماد تطبيقه، ما يحفز الأفراد على العطاء والنشاط المجتمعي وتبنيهم لقيم وأخلاق وحاجات المجتمع للنأي عن مصالحهم ومنافعهم الشخصية، فيكفي أعضاؤها شعبية أنهم لا يطمعون في السلطة أو أن يكونوا جزءاً من الحكومة، بقدر ما يجتهدون في خلاص المجتمع من معضلاته وأزماته التي تؤرقه وتعيق نهضته نحو التنمية، وحرصهم على تجنب النزاعات السياسية والخلافات الحزبية، وخصوصاً أن الأحزاب والقوى السياسية عندنا مشغولة عن متابعة التحديات ورصد متطلبات المجتمع وهمومه، على تنوعها، وبالتالي يمكننا اعتبار المؤسسات الأهلية رافداً ثرياً للأحزاب والحكومة في توفير الحلول، بعيداً عن المزايدات السياسية ومساوماتها، كما أن المؤسسات المدنية مساحتها للحركة قد تمتد لخارج حدود الوطن، كما عند الجمعيات التعاونية التي تهبّ لنجدة ضحايا الكوارث والحروب وتقديم الإغاثة بلا اعتبار للحسابات السياسية وصراعاتها المتداخلة.

حرية النشاط المجتمعي ضمن المؤسسات المدنية تنطلق من فك قيودها مع السلطة، من دون أي التزامات أو تبعية للسلطة، فأعباؤها المادية تتلقاها من تبرعات أعضائها، أو المتبرعين من شركات أو أفراد ميسورين، وتعتمد ببرامجها على مبادئ الحرية في الفكر والرأي والتعبير، وبالنتيجة، فهي مظهر من مظاهر الديمقراطية، وتمثل صفة من صفات المواطنة الحقة ونموذجها المأمول.

وأبرز مثال على أهمية ودور المؤسسات المدنية ما وقع في الحادي عشر من سبتمبر 2001 م في أميركا، فحين حدثت الكارثة جراء العمل الإرهابي توقع كثيرون تصدُّع المجتمع هناك، نتيجة للآثار السلبية، نفسياً واجتماعياً، لكنه استطاع تحمل آثار الصدمة وتجاوز تأثيراتها الجانبية، بفضل تعاضد وتكاتف ودعم الآلاف من المؤسسات المدنية ببرامجها وخططها مع الحكومة، ودفعت المجتمع لتجاوز تداعيات الكارثة بأقل الأضرار والخسائر.

ما ندعو إليه ونحث عليه، انتساب شبابنا وشاباتنا، على السواء، للانتساب للجمعيات الأهلية أو المبادرة لإنشائها، فهي الخطوة الأولى في طريق التنمية المستدامة، وانخراطهم في الأنشطة الإنسانية والوطنية يؤهلهم ليكونوا مواطنين صالحين تعتز الكويت بانتمائهم إليها.

 

نقلا عن جريدة الطليعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*