
سعاد المعجل
عضو المكتب السياسي
حين كتب فلاديمير بارتول روايته «آلموت» لم يكن يدرك أنه كان يكتب لحاضره، آنذاك، وللمستقبل الذي نعيشه نحن الآن! الرواية في شكلها الخارجي تتحدث عن قلعة «آلموت»، التي بناها ملوك الديلم، وهي تقع على قمة جبل شاهق في خراسان. في الرواية يستولي الحسن بن الصبّاح على تلك القلعة، ومنها يبدأ دعوته الإسماعيلية الباطنية!
الرواية تتحدث عن تقويض سلطة سلاجقة الأتراك في بلاد فارس في عام 1092، ولكن ما يميز الرواية ليس سرد الأحداث التاريخية، وإنما ما تطرقت إليه ضمنياً من وصف للنظريات الشمولية والشخصيات التي تسعى إلى تغيير العالم!
كتب فلاديمير بارتول، الذي ولد وعاش في بلغراد، روايته هذه قبل ستة وسبعين عاماً، إلا أنها لا تزال تحاكي، وبدقة، أحداثاً يمر بها عالمنا اليوم!
فلاديمير بارتول الأديب السلوفيني كتب روايته «آلموت» في عام 1938، وترجمت إلى لغات عدة. بارتول، الذي قرأ أعمال فريدريك نيتشه وسيغموند فرويد وتأثر بهما، فجاءت روايته ممتلئة بخفايا النفس البشرية ودهاليزها!
ملخص الرواية يدور حول لجوء البطل «حسن الصبّاح» إلى قلعة «آلموت»، ليبني من خلالها أسطورته ودوره في رعاية المذهب الإسماعيلي، وهو هنا يستعين بمجموعة من الفدائيين الذين أصبحوا يقدسونه مع مرور الوقت، ومع ترسّخ فكرة الدفاع عن المذهب والعقيدة لديهم، بشكل جعلهم يخلطون بين الحقيقة والخيال، خصوصاً أنه هو من يملك مفاتيح الجنة، وهو الذي يختار الفدائيين المخلصين له وللقضية، لأن يذوقوا طعم الجنة في سيناريو مخادع يخصص فيه «حسن الصباح» غابة تخطف البصر بجمالها تحيط بها كل متع الدنيا، من مأكل ومشرب، وحور عين بالطبع! يعمل «حسن» بمساعدة فريقه المختص على تخدير هؤلاء الفدائيين ومن ثم إفاقتهم في ذلك الفردوس ليذوقوا طعم الجنة، التي سيكونون خالدين فيها عند الشهادة في سبيل الدفاع عن مذهبهم ودينهم!
في أحد المقاطع عن الرواية، يشرح «حسن الصباح» هدفه من ذلك، فيقول: «لا تستند فرضيتي إلى معرفة النفس الإنسانية فقط، وإنما أيضاً دراسة الأولويات التي تحكم الجسد، عندما يعود هؤلاء الفدائيون من تجربة الجنة، ويفيقون من أثر الحشيش والمخدر، فسيوقظ ذلك فيهم رغبة لا تقهر بتعاطيه من جديد، وسترتبط دائماً بصورة النعم التي سيتذوقونها في فردوسي.. لن يفكروا أبداً.. لن يتبصروا، إنما فقط سيحترقون بالرغبة، وسنخفف عنهم آلامهم عندما يحين الوقت فسنوكل إليهم بمهمة، وسنعدهم بأن الجنة ستكون اثر ذلك مفتوحة لهم.
سينجزونها ويفارقون من أجلها الحياة، وهكذا سينشدون الموت وسيهلكون وهم يبتسمون من الغبطة!».
عبر التاريخ، وُظِّف الدين لأغراض دنيوية وسياسية بالتحديد، من «القاعدة» و«داعش» وأحلام الجنة والفردوس التي تشكل المحفز الرئيسي للانتحاريين فيها، وإلى قيام إسرائيل على أرض عربية، بحجة أن الله أمر اليهود بالعودة إلى أرض الميعاد، بل حتى أميركا التي لا تُستثنى من هكذا اختزال للدين، استخدمه بوش الأب، ومن بعده الابن، حين كان يخاطب جيوشه في العراق، بأنهم هناك دفاعاً عن الوطن والدين!
قلعة «آلموت»، إذاً هي صورة مصغرة لفكر شمولي، اتخذ ويتخذ أشكالاً مختلفة، ولكنه في النهاية ينتمي إلى أصل واحد!
نقلا عن جريدة القبس