سعاد فهد المعجل : القمم العربية بعد الربيع العربي

سعاد المعجل عضو المكتب السياسي

سعاد المعجل
عضو المكتب السياسي

دائماً ما تُخرج القمم العربية، الخلافات العربية- العربية إلى السطح، الخلافات التي عادة ما تكون مطلية ومموهة بالخطب الإنشائية وتهاني المناسبات والأعياد، ولا شيء أكثر من ذلك.

القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في الكويت، أكدت أن الخلافات العربية – العربية أكثر عُمقاً وتجذراً مما كنا نتصوَّر، وأن محاولات التهدئة والمصالحة الشكلية، والتي كانت حاضرة في كل الاجتماعات العربية، هي الأخرى عجزت وفشلت في تغطية الخلاف العربي الكبير.

واضح أن التعاون العربي أصبح كالعنقاء والخل الوفي، أو كرابع المستحيلات، والأسباب تعود إلى أمور كثيرة، لكن أهمها على الإطلاق، هو عنصر غياب التجانس والتناغم بين الكيانات العربية، وبشكل مخيف، فالتعاون يشترط أولاً تجانساً بين المتعاونين، من حيث هيئة الكيانات، سياسياً، وتقاربها ولو بالحد الأدنى، فكرياً ومنهجياً.

إن أسس التعاون بين أي كيانات، سواء كانت دولاً أم مؤسسات اقتصادية أم أفراداً، تقوم على مبدئين مهمين جداً، مبدأ الاحترام المتبادل، ومبدأ الثقة المتبادلة. كلاهما مفقود، وبكل أسف، في العلاقات العربية – العربية، ولعلنا نتذكر جيداً كارثة الاجتماع الاستثنائي للجامعة العربية الذي تمَّت الدعوة إليه بعجالة، لاتخاذ موقف تجاه غزو صدام حسين للكويت.

الفيديو المُسرَّب من تلك الجلسة يختزل طبيعة العلاقات العربية، ويرسخ حقيقة أن الثقة غائبة تماماً بين الزعامات العربية، والأسلوب الهزلي الذي تمَّت فيه تلك الجلسة جعل كل مواطن عربي يُصر على يأسه من إصلاح ذات البين بين زعامات العرب آنذاك.

مقولة إن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا ليست دعابة أو نكتة، وإنما تنطق بالحقيقة المحزنة، وبكل أسف! فالأنظمة العربية اتفقت فقط على إهانة شعوبها، وتجريم الحريات وملاحقة المعارضين، وقمعهم.

القمم العربية صارت أكثر هزلية، بعد تفجر الربيع العربي، الذي أحدث ثورة نوعية في عقلية المواطن، ومن خلال هذا الربيع دخلت الشعوب العربية في طور جديد من أطوار التاريخ، وأصبحت معها مسوغات وحجج وخطب القمم العربية مادة للتندر، ليس إلا، وتحوَّل الحديث من ضرورة خلق تعاون عربي، بقيادة الأنظمة العربية، إلى مشروع فرض تعاون عربي على مستوى الشعوب والأفراد، وضاعفت أدوات التكنولوجيا والتواصل الإلكتروني من طموحات الشباب في كل المنتديات، لبناء جسور مع شباب العرب في كل مكان.

نحن اليوم نشهد حقبة جديدة تشهد تحولات فكرية وسياسية هائلة، فبعد حقبتين شهدتا تراجعا للنظام الإقليمي العربي، الأولى كانت بعد هزيمة 1967، والثانية إثر غزو النظام العراقي للكويت، يبدأ العالم العربي حقبة جديدة دشنتها ثورات الربيع العربي في العام 2011، وأصبحت فيها الشعوب صاحبة إرادة وكلمة، بعد أن كانت الأنظمة السياسية هي صاحبة اليد الأولى والوحيدة في كل ما يُصنع من قرارات.

وإذا كانت الأنظمة العربية لاتزال متفقة على ألا تتفق، فإن الطاقات الشبابية العربية تمارس إتفاقاً وإجماعاً على التعاون.

نقلا عن جريدة الطليعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*