
حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي
عندما يناقشك أحدهم ويبدأ نقاشه بترهيبك بقوله: لا تتجاوز الخطوط الحمراء، فهل تتقبل رأيه، وترضى بشرطه؟
الرد على هذا الشارط يكون: وهل هناك خطوط حمراء؟ ومن عرّفها، وهل تم الاجتماع والإجماع عليها، متى وأين، وكم عددها وما شروطها وطبيعتها؟!
هذه الخطوط الحمراء، ما هي إلا وهَم كخطوط الحدود الوهمية ببن دولنا العربية، فهي من نسج مخيلتنا.
الخطوط الحمراء ليس لها تعريف علمي موضوعي في السياسة أو الاجتماع أو غيرها.
الخطوط الحمراء ابتكرها رجال الدين والسياسة من السلاطين ومفتي البلاط بتحالفهم ضد الشعوب، غايتهم وأد الأفكار وكبت المبادرة للاحتجاج، وقيد الحرية من زند نار الفكر والتأمل، هؤلاء الجناة الذين لم يعرفوا يوماً معنى للخطوط الحمراء، فالقتل والتعذيب والإرهاب من سماتهم، وتسخير المقهورين لمآربهم ديدنهم، فيما هم يتحصنون عن النقد والعيب بالخطوط الحمراء التي استجاب لصداها كل مستغفل أبله.
الخطوط الحمراء لا يعرفها رجال الشرطة والجيش والمرتزقة – عند الحكومات المستبدة – أثناء تصديهم للمحتجين والمتظاهرين، وهم أولى بهذه بها من المدنيين الغلابة المسالمين والمطالبين بحقوقهم المسلوبة.
الخطوط الحمراء تتغنى بها الدول المحكومة بالحكم العشائري والمتدثرة بمسوح الدين المزركشة.
الخطوط الحمراء لها أسماء عديدة، هي بعض من عاداتنا وتقاليدنا وما جُبِل عليه أسلافنا من التصديق والقبول بكل ما يخالف المنطق والطبيعة.
الخط الأحمر قد يكون مبدأ أو عادة أو قضية عند غيري، فيما هي عندي مما عافته الأجيال وتبدلت عنه الأحوال لما هو أجدى وأنفع.
الخطوط الحمراء حجة الكسول لنيل الراحة والدعة، وعذر الاستسلام لضعيف الإرادة والمتهيب من سلطة الاستعباد.
الخطوط الحمراء لم تصد أصحاب الفكر الخلاق من النظر في آراء الفلاسفة ومناقشتها، والمتنورين من نبش الماضي وكشف التزوير والتدليس في وقائعه المزعومة، وثوابته المنحرفة الضالة.
من الثابت أنه لا يمكن تشييد حضارة إنسانية راقية، جنباً إلى جنب مع الخطوط الحمراء التي لم تنزل بها من السماء دعوة أو أمر.
الخطوط الحمراء موّهت بالأساطير والخرافات من آماد سحيقة، واستغلت لزجر الناس من مطلب الحرية والكرامة والعدالة.
الخطوط الحمراء في المجتمعات المتخلفة بضاعة رائجة ومتداولة ومنطقة يحرم مسها والشك بها، في حين هي في المجتمعات الواعية تناقش ويتفق في شأنها بإطار قانوني قابل للتغيير والإلغاء.
نعم للخطوط الحمراء، التي تحفظ كرامة البشرية، وسموّها عما سواها من أوهام وضلال.
نقبل بالخطوط الحمراء، لكن في مواجهة الجهل والتعصب الأعمى وعبادة الذات، ونرجسية بعض الشعوب والمذاهب.
الخطوط الحمراء يقبلها الجاهل والمخدوع، ويكبل بها عقله ووجدانه، فيما صاحب المنطق والفلسفة يخضعها للوجدان والعقل والتجربة.
هل يمكنني مناقشة خطوطك الحمراء؟ أتمنى ذلك!
نقلا عن جريدة الطليعة