
عبدالله النيباري
الأمين العام الأسبق للمنبر الديمقراطي
لعلها مصادفة أن تنشر «القبس» يوم الأحد الماضي تقريراً حول مثالب قانون الـB.O.T ، الذي كان مفروضاً أن تنجزه اللجنة الاقتصادية في مجلس الأمة في اليوم نفسه، ليحال إلى المجلس، للبت فيه وإقراره، إلا أن اللجنة قررت تأجيل البت في مشروع التعديلات المقترحة على القانون (7/ 2008)، لأن الحكومة تريد إعادة النظر في المشروع، والتقدم برؤية جديدة.
القانون الساري والمعمول به الآن هو قانون 7/ 2008، الذي تعرَّض لانتقادات وهجوم من أصحاب المصالح، باعتباره يعيق التنمية الاقتصادية ويعطلها.
وهذا القانون جاء بعد تعرُّض أراضي الدولة لسوء استخدام، بل تعرَّضت للاستحواذ، وهناك من يقول إنها تعرَّضت للنهب البشع.
تقارير «المحاسبة»
وقد أدرج ديوان المحاسبة في تقاريره المقدَّمة لمجلس الأمة، ومنها تقرير الديوان، حول جوانب التصرُّف في أملاك الدولة العقارية الصادر في سبتمبر 2005، والتقرير الخاص بعقود البناء والتشغيل والتحويل الصادر في أغسطس 2006، المشاريع المقامة على أراضي الدولة، وفقا لنظام الـB.O.T (البناء والتشغيل والتحويل)، وعدها 124 مشروعاً، شاب معظمها مخالفات وتجاوزات على العقود وتعديات على أملاك الدولة، منها زيادة المساحات المستغلة عن المقررة في العقد، وتغيير الاستخدام للمشروع، كما حصل بالنسبة لأسواق الخضار واللحوم والسمك، التي تحوَّلت تدريجياً إلى مجمعات تجارية، إلى درجة تحويل مسمى المشروع من سوق مركزي للمواد الغدائية إلى سوق مركزي فقط، بعد إضافة أنشطة حولته إلى مجمع تجاري وتهميش النشاط الأساسي للمشروع، وحصره في جزء صغير من المجمع، إلى جانب عدم وضوح البنود في العقد، ما أدَّى إلى عدم الاستفادة من إنتاج المشروع، وهو ما حصل في مشروع محطة الصليبية لمعالجة مياه الصرف الصحي، ما أدَّى إلى تحمُّل الدولة خسائر بلغت 32 مليون دينار، والسماح للمستثمر بالتخلص من المياه عالية التركيز (Bine) في مياه البحر.
مخالفات وتجاوزات
ما جاء في تقارير ديوان المحاسبة عن المشاريع المقامة على أراضي الدولة من كثرتها وتعددها يشيب منه الرأس.
ويشير الديوان إلى تراخي الجهات الحكومية في عدم اتخاذ الإجراءات الحازمة لإيقاف المخالفات والتعديات، وينبهر القارئ من سهولة الحصول على موافقات المجلس البلدي لتغيير شروط العقود، ما يذكر بمقولة «فساد البلدية لا تحمله البعارين» على كل هذه المخالفات والتجاوزات.
وتهاون الجهات الحكومية في الالتزام بشروط العقود لهذه المشاريع أدَّى إلى أن يوصي ديوان المحاسبة بما يلي:
1 ـ الإسراع في إصدار قوانين تنظم المشاريع المقامة بنظام البناء والتشغيل والتحويل.
2 ـ إنشاء جهاز مركزي لتوحيد آليات وإجراءات العمل بهذه المشاريع
3 ـ إعداد خطة واضحة وشاملة للتنمية على مستوى الدولة.
4 ـ الحد من التعديل في شروط الترسية والتعاقد، وعدم استثناء أي مستثمر، ضمانا لتحقيق العدالة بين المستثمرين، ونضع خطاً تحت «العدالة بين المستثمرين»، لأن التعديل في شروط العقد يخالف ما جاء في طرح المشروع بين المتنافسين، وهذا ما حصل في مشروع المارينا بالسالمية، حيث قام المجلس البلدي بإصدار قرارات بالموافقة على إجراء تعديلات وإضافات على مكونات المشروع، ومنها إقامة فندق وزيادة مساحات تجارية لم تكن موجودة عندما خرج المشروع للمنافسة، إضافة إلى تحويل المكان المخصص للمباني الحكومية إلى أنشطة أخرى، ولم تتحرَّك البلدية لاتخاذ أي إجراء.
بناءً على كل ذلك، صدر القانون رقم 7 لسنة 2008 استجابة لتوصية ديوان المحاسبة لتنظيم إقامة مشاريع على أراضي الدولة، وفق نظام البناء والتشغيل والتحويل B.O.T ، وهذا النظام تلجأ إليه الدول لمشاركة القطاع الخاص لأسباب تتعلق بالقدرة المالية أو إدارة المشروع.
قانون 7/ 2008
واجه هذا القانون بعد صدوره حملة هجومية عنيفة، واعتبر القانون الصادر لتنظيم المشاريع المقامة على أراضي الدولة بأنه معيق للتنمية، والحقيقة أن أغلب المشاريع التي أنشئت وفقاً لهذا النظام كانت مشاريع ترفيهية ومجمعات أسواق ومتنزهات، وهي لا تقلل من قيمتها، لكنها ليست مشاريع تنموية استراتيجية تضيف إلى الناتج المحلي وتوفر فرصاً للعمالة الوطنية، وهو شرط أساسي في التنمية.
رغم حدة الهجوم العنيف على قانون رقم 7 لسنة 2008، فإن أحداً لم يتطرَّق إلى مثالب القانون، وما المواد التي تتطلب إعادة النظر فيها وتعديلها.
التعديلات
والتعديلات المقترحة من الحكومة التي تنظرها لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة هي تعديلات قليلة قد لا تحقق مطالب المنتقدين والمعترضين على القانون الحالي، ومع ذلك قد تكون لها جوانب سلبية خطيرة، وهو ما دفع النائب السابق عادل الصرعاوي إلى نشر مقال في جريدة «القبس» (26/10/2013) بعنوان «تعديلات قانون B.O.T خطوة إلى الوراء»، ونبه إلى بعض المثالب في اقتراحات التعديل، أشاركه فيها، كما أشار إلى ضرورة الأخذ بالاعتبار ما جاء في تقارير ديوان المحاسبة، وقد تطرقت لها «القبس» في تقريرها المشار إليه سابقاً.
الملاحظات
1 – تتعلق بالتعريف: إن التعريف في التعديل المقترح في نظام الشراكة، كما أشارت مذكرة الديوان إلى اللجنة بشموله «تحسين و/ أو تطوير خدمة عامة قائمة و/ أو تطويرها و/ أو تخفيض تكاليفها و/ أو رفع كفاءتها»، هذا التعريف لا يفرق بين المرافق العامة الرئيسة والأخرى الثانوية، فالأولى لا يجوز منح امتياز باستثمارها إلا بقانون ولزمن محدود، طبقا للمادة 152 من الدستور، وهذا التعريف يدخل في مفهوم عقد الامتياز، لتضمنه قيام المستثمر بتقديم خدمة عامة أو تحسين خدمة قائمة أو تطويرها مقابل تحصيل أجر أو ثمن من المواطنين أو مستهلك الخدمة أو من المستفيد من هذه الخدمة العامة، إذ يترتب على ذلك وضع المرفق العام أو المشروع القائم المملوك للدولة تحت يد شركة المشروع لمدة تصل إلى 50 عاماً قابلة للتجديد إلى 100 عام (مذكرة ديوان المحاسبة)، ويقترح الديوان عدم شمول تعريف الشراكة على تحسين أو تطوير أو رفع كفاءة.
2 ـ عقد الشراكة: حددت مدة التعاقد في القانون رقم 7 لسنة 2008 لمدة لا تزيد على ثلاثين سنة، واستثناء من ذلك المشاريع ذات الطبيعة الخاصة تمتد إلى أربعين سنة والتعديل المقترح من اللجنة هو «استخدام تعبير لا يجوز أن تزيد مدة التعاقد على خمسين عاماً»، من دون تحديد فئات المشاريع وفق المدد، ما يسمح لكل صاحب مشروع أن يطلب الحد الأقصى من المدة، من دون النظر لطبيعة المشروع، فمعظم المشاريع القائمة الآن مدتها 20 سنة، وهي كافية لاسترداد تكاليف الاستثمار وتحقيق الأرباح، لذلك فإن تحديد المدة في القانون يحتاج إلى وضوح أكثر، وتحديد إن قيدت المدة بثلاثين سنة، وأفسحت المجال للمشاريع ذات الطبيعة الخاصة بمدها إلى أربعين عاماً، بقرار من مجلس الوزراء، وهذا التحديد أفضل من التعديل المقترح.
3 ـ الفكرة والمبادرة: تبنت اللجنة مفهوم الفكرة، التي إذا قبلت قد تتحول إلى مبادرة أو مشروع متميز، والمثلب أن الفكرة تتطلب دراسة جدوى مبدئية، في حين أن القانون الحالي يتطلب دراسة متكاملة فنية وبيئية.
وعدم اشتراط دراسة جدوى متكاملة يفسح المجال بتقديم أفكار تنقصها الجدية، ومقترح الحكومة تبني دراسة جدوى متكاملة، فما المبرر لتخفيف الشروط؟، ثم فصلت اللجنة في كيفية التعامل مع مشاريع الفكرة، فإذا قبلت الفكرة واعتبارها مبادرة استحق مقدمها استرداد تكاليف الدراسة، مضافا إليها 20 في المائة أو 200 ألف دينار، أيهما أقل، وأفضلية قبول عطائه المستوفى الشروط إذا شارك في المنافسة أن يحصل على تخفيض بنسبة 5 في المائة من قيمة أفضل عطاء، وتخفيض نسبة 10 في المائة من أسهم شركة المشروع.
أما إذا قبلت الفكرة واعتبرت مشروعاً متميزاً، فيستحق مقدمها استرجاع قيمة الدراسة، مضافا إليها 10 في المائة أو مبلغ 100 ألف دينار، أيهما أقل، ومن غير الواضح ما المبرر للتمييز بين اعتبار الفكرة مبادرة أو مشروعاً متميزاً.
على كل حال، نأمل أن تكون هذه الملاحظات، وغيرها، تحت نظر اللجنة، لعل أصحاب النوايا الحسنة في المجلس يأخذونها بعين الاعتبار.
نقلا عن جريدة الطليعة