
حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي
لم تواجه الأنظمة الخليجية، سابقاً، معضلات داخلية، كما هو حاصل اليوم، فتيار التحرر الداخلي من سلطة الأنظمة بدأ بالتدفق، متأثراً بما يدور ويغلي في المحيط الإقليمي، والتاريخ يثبت أن ما يحدث من تغيرات أو تطورات اجتماعية وسياسية لابد أن يتداعى لها الإقليم بأقاصيه.
ما يعيب السلطات الخليجية، أنها لم تهيئ أنظمتها لاستقبال رياح الديمقراطية، ولم تدفع شعوبها لممارسة أدوات الديمقراطية، أو تسطر دساتيرها التي تحدد وجهتها السياسية وتبيّن قواعد القوانين التي تنظم شؤونها الحياتية، واعتمدت بدلاً من ذلك على الأعراف القبلية والولاءات المذهبية والأموال النفطية في كسب المتزلفين والأعوان.
قرار أكبر دولة خليجية بحظر المنظمات الإرهابية المصنفة داخلياً وإقليمياً ودولياً ومعاقبة المنتمين إليها يبدو شديد الغرابة، ومن سطر بنوده يجهل بامتياز منهج التعامل مع الجماعات والمنظمات الإرهابية وطرق التصدي لها، وخصوصاً بالمملكة، فإذا كانت المملكة منطلقا للأصولية والسلفية ومهادا لها، فكيف يمكنها أن تقلع جذورها من منبتها الصحراوي الغاص بالأصولية والفكر الوهابي، وهي التي تشرَّبت من كتابات ابن تيمية وابن القيم المصدر الفقهي الأساسي لعناصر التنظيم الجهادي؟ وهل سيتم حذف الأحاديث الداعية للنفير للجهاد من كتب هؤلاء الدعاة للقتال ضد من يخالفهم المذهب والفكر، ولو كان من المسلمين؟!
إن النمط الراديكالي / الثوري كان وسيبقى فصلاً أولياً من الفكر الأصولي الجانح نحو العنف والتطرف، ولن تلين له القناة، حتى يتحرر في نظره كل شبر سليب من الوطن العربي، والجهاد المسلح وسيلته الأنجع، وهو على رأس الفضائل ومكافأة الشهيد بحور العين لا تضاهيها مكافأة أو يقربها أجر.
وليعلم البعض أن تيار الإخوان المسلمين متفرع من التيار الأصولي، وإن اصطبغ ببعض سمات الاعتدال والمرونة في التوافق مع مستجدات الحياة العامة، لكنه في أحياناً كثيرة تأثر بأصولية أبوالأعلى المودودي وتلميذه سيد قطب، اللذين اعتبرا المجتمعات المخالفة لعقيدتهما أرض شرك وحرب.
الفكر الإخواني لا يفترق عن الفكر الأصولي الوهابي المتشدد، سوى توجهه بخوضه المعترك والمنافسة السياسية رغبة بتولي السلطة ومنازعة السلطان مقامه وقبوله بالأحزاب السياسية، ودورها في تولي الحكومة وفرض الإرادة الشعبية، وهذا ما يتعارض مع فكر وآليات الحكم للسلطات الخليجية الحاكمة، وكيف يعلل من أصدر البيان بإيوائه وتبنيه عناصر الإخوان طوال عقود، ونفضهم اليد الآن من دعم التيار الديني الأصولي المتمدد، والذي تنتمي إليه الملايين، وإلى أي فكر ومعتقد سيغدو بهؤلاء، وكيف ومتى سيتخلون عن اعتقاداتهم وإيمانياتهم التي درجوا عليها وفطموا بها، وما مصير آلاف المجاهدين من الجزيرة العربية الذين غرّر بهم جهابذة رجال الدين في شتات الأرض، أملاً بالثواب الموعود؟ وكيف يمكن لهؤلاء التخلي عن عقيدتهم الجهادية خلال خمسة عشر يوماً منحتها السلطات ليراجع نفسه ويتخلى عن ثوابته الدينية الراسخة وأسلحته القتالية بكل سهولة؟!
البيان الحكومي للمملكة ذو تداعيات خطيرة على الحريات، بأنواعها، وحتماً ستضيق آفاق حريات وإبداعات الأعمال الأدبية والفنية والإعلامية، توجساً من تبعات البيان، وسيعاني النشاط المدني التطوعي والإغاثي من ضيق مساحة الحركة في إغاثة المنكوبين خارج الحدود، أو إبداء تعاطفه ومساندته للمنكوبين في المناطق القريبة والنائية، من دون إذن وترخيص المنظومة الرسمية أو موافقة المؤسسة الدينية.
كان الأولى تجفيف منابع الإرهاب، دينياً وفكرياً ومادياً تدريجياً، واختيار بديل لها يمثله الإسلام المعتدل، نموذجاً يحتذي به في بلاد المسلمين، وسوى ذلك تبقى الأجواء ملبدة بالغيوم.
نقلا عن جريدة الطليعة