عبد الله النيباري : ملاحظات على مشروع الإصلاح السياسي

عبدالله النيباري الأمين العام الأسبق للمنبر الديمقراطي

عبدالله النيباري
الأمين العام الأسبق للمنبر الديمقراطي

لا جدال في أن النظام الديمقراطي مكتمل الشروط، هو مطلب الحركة الإصلاحية في المجتمع الكويتي وغايتها منذ أوائل القرن الماضي.. والصراع السياسي الدائر منذ ذلك الوقت، وحتى الآن، كان حول تحقيق مشاركة شعبية فعالة في صنع القرار. شاهد ذلك ما نص عليه القانون الأساسي للمجلس التشريعي عام 1938، الذي اقترحه المجلس، ووافق عليه سمو الأمير، خوَّل المجلس صلاحية السلطتين، التشريعية والتنفيذية، وقسطاً من السلطة القضائية، وكذلك كان الأمر في الخمسينات حول صلاحيات المجالس النوعية التي أدَّى النزاع بينها وبين رؤسائها من الشيوخ إلى حلها.
كذلك، دار النقاش في المجلس التأسيسي أولاً في لجنة وضع الدستور، حيث انحاز أربعة من أعضاء اللجنة إلى تفضيل النظام البرلماني (وهم حمود الزيد ويعقوب الحميضي بداية، وانضم لهما عبداللطيف ثنيان الغانم رئيس المجلس وسعود العبدالرزاق)، أما العضو الخامس الشيخ سعد العبدالله، ممثل السلطة، فكان معارضاً، والنقاش الذي ساد أعمال اللجنة بين هذين الطرفين.. طرف يسعى إلى تعزيز سلطة البرلمان المنتخب وطرف يحاول تقليصها.

وكذلك عند مناقشة مشروع الدستور، الذي أعدَّته اللجنة في المجلس التأسيسي أثير موضوع عدم اشتراك الشيوخ بالوزارة (مداخلة د.أحمد الخطيب)، نأياً بهم عن التجاذب السياسي الذي قد يمس هيبة الأمير بحكم أنهم أقرباؤه.

وتجدر الإشارة هنا إلى ما جاء في خطاب الشيخ عبدالله السالم «رغبة في استكمال أسباب الحكم الديمقراطي..»، وبناءً على ما قرره المجلس التأسيسي صادقنا على هذا الدستور.
والمشروع الذي تقدَّم به ائتلاف قوى سياسية يأتي في هذا النسق والاتجاه، لدعم مسيرة التحوُّل إلى نظام ديمقراطي مكتمل الشروط، والتعديلات المقترحة على دستور عام 1962 ترتكز على تعزيز صلاحيات البرلمان وانبثاق حكومة برلمانية من الأعضاء المنتخبين.

تساؤل

وهنا يثور التساؤل.. ما الذي أعاق الوصول إلى نظام ديمقراطي مكتمل الشروط، وفق ما هو مطبَّق في النموذج الغربي الأوروبي، وقد مضى على العمل بالدستور منذ صدوره أكثر من خمسين عاماً؟
هل السبب في ذلك يعود إلى معوقات في مواد الدستور، أم أنه في عدم قدرة قوى المجتمع على ترجمة ما جاء في الدستور من مكاسب إلى واقع؟
بالتأكيد، إن الدستور، وأي دستور، قابل للتعديل، وتنص مواده على الإجراءات الواجبة الاتباع لاقتراح وإقرار أي تعديلات فيه.

ولكن في الحالة الكويتية الراهنة، هل واجهنا تقدماً حال الدستور دون تحقيقه؟

وهل استنفدنا جميع ما يتيحه الدستور من فرص لدفع عجلة التحول الديمقراطي وحماية سيادة القانون لتحقيق العدالة والمساواة ومكافحة الفساد وحماية أموال الدولة وأملاكها؟

سلبيات مخالفة للدستور

إن السلبيات التي شابت التجربة البرلمانية كانت مخالفة للدستور، نصاً وروحاً، فإجراءات تعدد حل المجالس، التي ارتبط بعضها بتعليق العمل بمواد الدستور، أو إصدار مراسيم لها قوة القانون مخالفة للدستور، أو استخدام الحكومة لأغلبيتها في المجلس لإصدار قوانين، تخالف روح الدستور، إن لم يكن نصوصه، أو كثرة اللجوء للجلسات السرية حتى في الاستجوابات، إلى جانب عدم نزاهة وحيادية الانتخابات واستخدام السلطة، وما لها من نفوذ، بما في ذلك المال، للتأثير في مصداقية الانتخابات.

كل هذه السلبيات، التي أعاقت التحوُّل للنظام الديمقراطي الكامل، لا تعود إلى نقص في الدستور، لأنها في حقيقة الأمر مخالفة لروح الدستور ونصوصه، بل إلى ضعف المجالس المنتخبة وضعف القوى الاجتماعية وعجزها عن حماية الدستور، وهذا الضعف نتيجة أولاً لتدخل السلطة في عملية الانتخابات التي وصل أحياناً إلى تزويرها وتعديل قانونها بمراسيم مخالفة للدستور، كما حصل في عامي 1981 و2012، ومن ناحية ثانية تأثير الاستقطاب الفئوي القبلي والطائفي والأسري وتأثير المال السياسي لشراء الذمم، ونتيجة لذلك، لم يعد اختيار الناخبين لممثليهم على أساس الجدارة والكفاءة وأداء المرشح وبرنامجه السياسي، بل إما على أساس الانتماء الاجتماعي أو المذهبي أو إغراء بريق المال لشراء الذمم، والجزء الأكبر منه ممول من السلطة، إلى أن وصلنا إلى مجالس بأعضاء مدفوعي الثمن مقدماً، همّهم ليس خدمة الوطن وأبنائه، بل إرضاء ولي نعمتهم، وفي أحسن الأحوال إرضاء ناخبيهم، لكسب أصواتهم وإعادة إنتاج أنفسهم، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العامة، والشواهد على ذلك كثيرة وهي في ازدياد.

توازن القوى

لذلك ما لم يتغير وعي المواطن الناخب، ويدرك أن صوته أمانة لا يعطيه إلا للأجدر والأكفأ، والأكثر حرصاً على مصلحة الوطن والمواطنين، ومن دون ذلك مهما أدخلنا على الدستور من تعديلات تصل به إلى درجة المثالية، ليصبح كما الدساتير الراقية، فإنه سيبقى معرضاً للاختراق والتجاوز والتعليق، لأن المسألة يحكمها توازن القوى.

التعديلات المقترحة

أهم التعديلات المقترحة، هي ما يتعلق بأن تشكل الحكومة من أعضاء مجلس الأمة المنتخبين (الحكومة المنتخبة)، وهو مطلب أساس في النظام الديمقراطي، وقد اشترط التعديل تكليف رئيس القائمة الحاصلة على أكبر عدد من الأصوات الصحيحة، ومن غير الواضح ما إذا كان ذلك يعني القائمة التي تحظى بأغلبية المقاعد النيايبة، أو على الأقل لها أعضاء أكثر من الكتل الأخرى.

وهنا تطرح تساؤلات: هل وصلنا إلى مرحلة تتوافر فيها أحزاب أو كتل سياسية أو تحالفات تحظى بأغلبية مقاعد المجلس؟ وهل هذا أمر متوقع في العشر سنين أو العشرين سنة المقبلة أن تكون لدينا كتل رقم واحد واثنين وثلاثة تتناوب على الحكم؟ ثم ما الوضع إذا لم تكن هناك كتلة أو تحالف يحظى بأغلبية المقاعد؟، وكيف يمكن للكتلة رقم (2) أو (3)، إذا عجزت أو اعتذرت الكتلة رقم (1) التي تحظى بأكثر الأصوات، أن تشكل حكومة وهي لا تملك الأغلبية؟ طبعا الحل الفني المعمول به في النظم الديمقراطية أن يكلف رئيس وزراء ممن يستطيع أن يجمع أغلبية الأعضاء في أي مرحلة من المراحل.

ثم لماذا يتم اشتراط تكليف رئيس للوزراء خلال ثلاثة أيام من إعلان نتائج الانتخابات، في حين أن معظم الدساتير تعطي فترة لا تقل عن شهر أو أكثر؟

التعديلات المقترحة

أولا: الحكومة المنتخبة
أهم التعديلات المقترحة، هي تشكيل الحكومة من الأعضاء المنتخبين، وحدد الاقتراح بأن يكلف الأمير خلال ثلاثة أيام من إعلان نتائج الانتخابات رئيس الكتلة الحاصلة على أكبر الأصوات الصحيحة بتشكيل الحكومة، ثم يصدر مرسوم بالتشكيل، ولا تباشر الحكومة أعمالها إلا بعد حصولها على ثقة المجلس، وبعد حصولها على الثقة يصدر أمر أميري بتعيين رئيس الوزراء، وإذا لم تحصل الحكومة على الثقة يكلف الأمير رئيس القائمة الثانية الحاصلة على ثاني أكبر عدد من الأصوات، وتمر بنفس الإجراءات، وفي حال عدم حصولها على الثقة، يكلف الأمير القائمة الحاصلة على ثالث أكبر عدد من الأصوات الصحيحة، فلماذا كل هذه التعقيدات.. قائمة (1) و(2) و(3)؟، وكيف لا يصدر الأمر الأميري بتعيين رئيس الوزراء، الذي كان قد صدر مرسوم أميري بتكليفه؟ وكيف بعد أن تنال الحكومة الثقة تقدم برنامجها، في حين أن المعمول به في أغلب الدساتير أن يكون تكليف رئيس الوزراء ممن يضمن أغلبية أعضاء المجلس من قائمته أو تحالف قوائم، وليس الحاصل على أكثر الأصوات الصحيحة، وبذلك، فهو يضمن الحصول على الثقة التي يتم التصويت عليها عادةً بناءً على البرنامج الذي تقدّمه الحكومة للمجلس، وليس الثقة ثم البرنامج، وفي حال فقدان رئيس الوزراء للأغلبية في مرحلة يكلف غيره من يستطيع ضمان أغلبية الأعضاء، وإذا لم يتوافر ذلك يصار إلى حلّ المجلس وإجراء انتخابات.

ولكن السؤال الأهم هو عن تكوين مجلس بعد الانتخابات الذي تتحكم به نتائج الانتخابات على أساس الانتماءات الطائفية والقبلية والأسرية والواسطة وأموال شراء الذمم.

وماذا لو لم تتوافر لأي قائمة أغلبية أعضاء المجلس لتنال الثقة؟ وماذا إذا كانت أكبر كتلة أو قائمة هي من الموالين للسلطة من أعضاء ليست لهم الكفاءة ولا الحصانة الأخلاقية؟
وإذا كان بالإمكان أن تصل إلى المجلس قائمة أو ائتلاف قوائم متماسكة لها أغلبية في المجلس وتحظى بثقة المواطنين، فبالإمكان في هذه الحالة، وفقاً للدستور الحالي، أن تفرض إرادتها في اختيار رئيس الحكومة ووزرائها، وإذا لم يستجب لمطالبها، فإنها تستطيع أن تنزع الثقة من أي رئيس حكومة لا ترضى عنه.

وحتى لو لجأت السلطة إلى حلّ المجلس وإجراء انتخابات مبكرة، فالاحتمال الأكبر أن كتلة الأغلبية التي نزعت الثقة من الحكومة سيكون لها نصيب أوفر في العودة للمجلس بنفس الأغلبية أو أكبر.
الاقتراحات التي تناولت تعديل إصدار المراسيم، وعددها 18، اقتصرت على حذف كلمات، مثل يتولى الأمير، ويعلن الأمير، ويبرم الأمير، ويعين الأمير، وجاز للأمير، ويضع الأمير، واستبدلتها بالنص على «تصدر مراسيم بكذا وكذا»، وتفسير ذلك قد يكون تقليص السلطات الفردية للأمير، ولكن التعديل لا يحقق هذا الغرض، لأن المراسيم لا تصدر إلا بتوقيع الأمير.

والمراسيم هي أداة ممارسة الأمير لسلطاته بواسطة وزرائه، ولكنها لا تصدر إلا بناءً على عرض الوزارة، وهي التي تتحمَّل مسؤوليتها وتصدر موقعة من الأمير ورئيس الوزراء، وإذا وصلنا إلى مرحلة حكومة الأغلبية المنتخبة، فلا يمكن أن يصدر مرسوم بتوقيع الأمير منفرداً، لأن ذلك قد يؤدي إلى استقالة الوزارة، ولو حدث غير ذلك، فإن الحكومة ستستقيل، وسينتج عن ذلك أزمة سياسية حادة لا قبل لرئيس الدولة بمواجهة تكرارها.. أما إذا كان الوضع الاجتماعي سيبقى على حاله، ممزقاً ومبعثراً إلى انتماءات اجتماعية ودينية وتؤثر في إرادة ناخبيه وسائل الانتفاع والمال، فلن تنفع حينئذ التعديلات الدستورية، مهما بلغت من درجة السمو، ولننظر إلى لبنان، كنموذج.. فوفق دستوره، الرئيس منتخب والحكومة منتخبة أو برضاء الأعضاء المنتخبين وموافقتهم ودعمهم، ومع ذلك، لم يوفق لبنان في حكومة تعبر عن آمال الشعب ويحفق مطالبه، فهي حكومات محاصصة وتوزيع مصالح.

نقلا عن جريدة الطليعة