سعاد فهد المعجل : وثيقة القاعدة العسكرية في الرياض

سعاد المعجل عضو المكتب السياسي

سعاد المعجل
عضو المكتب السياسي

لم تحظَ أزمة قطر مع دول الخليج الثلاث حتى الآن بتحليل متجرّد وموضوعي.. فبخلاف ما يدور وراء كواليس الأنظمة السياسية، فإن كل ما يتم عرضه حتى الآن لا يتجاوز خانة النثر والإنشاء، مع نكهة من التمنيات و«الشرهة»، لا أكثر ولا أقل. عبدالباري عطوان، بعد أن غادر جريدة «القدس العربي»، وحطّ رحاله في جريدة «رأي اليوم» الإلكترونية، لايزال يُثير شكوك الكثيرين حول مدى مصداقية وأهداف ما يكتب من رأي.. بل إنه – إن صح ما نُقل عنه – لا يتوانى، كما قال يوماً، عن الاعتراف بأنه يقتات مما يكتبه من رأي، وهو السبب الذي يجعل البعض متحفظاً تجاه ما يُثيره من قضايا.
على العموم، عطوان كتب مقالاً أخيراً في جريدة «رأي اليوم» حول الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي، الذي عُقد في «قاعدة عسكرية في الرياض»، وفيه تعهدت قطر بتنفيذ وثيقة الرياض، كشرط للمصالحة مع دول الخليج الثلاث.

شروط المصالحة، وفقاً لوثيقة الرياض، تنص على وقف إجراءات التجنيس من قِبل قطر لشخصيات خليجية إسلامية معارضة، بالإضافة إلى وقف دعم قطر لحركة الإخوان، وأيضاً لجم قناة الجزيرة وتوابعها، وإغلاق بعض المراكز الدولية البحثية، إضافة إلى وقف قطر دعم المؤسسات الحقوقية والإعلامية.

شروط الوثيقة، كما يراها عطوان، تعجيزية، وهي بالفعل كذلك، فالتزام قطر بكل ما ورد في الوثيقة يعني فسخ عقود وتحالفات والتزامات سياسية، إقليمية ودولية، وهي التحالفات التي وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها، إلا أن الحق يُقال إنها حولت قطر من دولة «تابعة» إلى دولة «فاعلة»، وبالتالي تكون مسؤولة عن جميع قراراتها من دون وصاية.

بتصوري المتواضع، فإن مسألة الوصاية والهيمنة، هي وراء كل سياسات وتصرُّفات قطر، الذي يصفها البعض بأنها متهورة وغير مدروسة.. وبصرف النظر عن هذه الجزئية، فإن ما ورد في «وثيقة الرياض» لا يدخل تحت باب التعاون والتنسيق الخليجي المطلوب، وإنما هو ترجمة فورية للأسس التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي، والتي ليس ضمنها، وبكل أسف، تفعيل التعاون الحقيقي، من خلال بناء شبكة علاقات اقتصادية واجتماعية وفكرية وتعليمية، تنعكس على المواطن الخليجي أولاً، قبل أن تكون الحضن الدافئ والملاذ الآمن لأنظمة سياسية تتشابه في كل شيء إلى درجة التطابق.

وثيقة الرياض أثارت أموراً ترتبط ارتباطاً مباشراً بالديمقراطية، كمؤسسة تشريعية، وكمصنع للقرارات المصيرية التي تمس العامة قبل الخاصة.. فالفرد والمواطن القطري غائب تماماً في تحالفات قطر الإقليمية والدولية، باعتبار أن صناعة القرار القطري لا تشمله، كذلك هي الحال مع «وثيقة الرياض»، التي غاب عنها المواطن الخليجي بصفة عامة.

واضح أن دافع قطر من وراء تحالفاتها، هو الخروج من عباءة مجلس التعاون، والانطلاق في فضاء حرية القرار، لكن مثل هذا الدافع سيلجمه قطعاً غياب مؤسسة الحرية، سياسياً واجتماعياً وفكرياً، في قطر، وبالتالي، فقد جاءت محاصرة الطموح القطري من خلال وثيقة تم توقيعها في قاعدة عسكرية، أمراً سهلاً ومتوقعاً.

نقلا عن جريدة الطليعة