سعاد المعجل: العقل الأول!

سعاد المعجل عضو المكتب السياسي

سعاد المعجل
عضو المكتب السياسي

يأتي القلق والتوتر والاكتئاب والخوف والأمراض المتعلّقة بالأكل والنظام الغذائي وقمع الشهية.. كلها تأتي لتشكل أول مؤشرات التحول إلى مجتمع عصري حديث!

نسمع الناس هنا مثلاً في الكويت كثيراً ما يرددون أن الناس في الماضي لم يكونوا يعرفون القلق ولا التوتر، بل ولم تكن هناك عيادات نفسية بالحجم والعدد اللذين أصبحنا نراهما اليوم، وبشكل جعلها – أي العيادات النفسية – تنافس في عددها وحجم قوتها التشغيلية عيادات الأمراض البدنية بجميع أشكالها!

المجتمع الكويتي اليوم، وكأي مجتمع آخر، في مرحلة التطور. ولا تحمل كلمة التطور هنا إيحاء إيجابياً أو سلبياً، وإنما هي كلمة لوصف أي عملية تغيير في المجتمع.

وبما أن علماء الاجتماع قد شبّهوا نمو وتطور المجتمعات بالنمو والتطور الفزيولوجي والعقلي لأي كائن حي، فإن إدراكنا للتطور البيولوجي الذي حدث للعقل البشري – كونه مخزن كل سائر التغيرات في البشر – قد يساعدنا في فهم ما نمر به كمجتمع من تحولات بعضها نفسّره بكونه غريباً عن مجتمعنا.. أو طبقاً للمقولة الكويتية المأثورة: «ليس من عاداتنا ولا تقاليدنا».

يقول العلماء إن العقل البشري قد مر بثلاث مراحل مهمة وحاسمة في فترة تطوره، وصنّفوا كل مرحلة بصفات مجتمعية وفزيولوجية محددة!

المرحلة الأولى أطلق عليها العلماء اسم عقل الزواحف، وهو العقل الذي اقتصر الوعي فيه على الوظائف اللاإرادية كالتنفس والهضم والتعرق، وكلها أمور لا دخل للعاطفة ولا للمشاعر فيها! ثم تطور العقل مع اكتشاف آلية الطهي واستخدام النار، وبالتالي تناول البروتين بعد طبخه لتسهيل هضمه، وتبعاً لهذه النقلة في الوعي البشري بدأت مفاهيم جديدة كالأمومة والإخلاص والغضب والملكية، ومعها بدأت أول مؤشرات الأديان والطقوس والأخلاق والخرافات، في محاولة من الإنسان القديم لتحييد الطبيعة والاستفادة منها بأقصر الطرق!

بالنسبة إلى العلماء، فإن العقل الذي يتمتع به الإنسان حالياً لم يتشكل إلا منذ 50000 سنة، وهو العقل الذي أصبح يتعامل مع الجمال واللغة والمنطق والفن والعمارة، وكل ما نراه اليوم من إرث التاريخ البشري الحديث «نسبياً»!

المشكلة تأتي هنا عندما يحدث خلط لأسباب عديدة بين هذه الوظائف المتعددة لعقل الإنسان، فهناك جانب من العقل يلتزم بشروط العيش ضمن إطار مجتمع له قوانينه وشروطه، وآخر يحبذ تقديم الجانب المعني بالوظائف اللاإرادية وغير المحكومة بقوانين! ثم يتداخل هذان مع عقل المنطق والجمال والحق والفضيلة!

بعض العلماء الروحانيين يرون أن معاناة الإنسان وغضبه واكتئابه ومرضه العضوي مسألة ترتبط بجهله للشق الأهم من العقل.. أطلق عليه بعض الفلاسفة العقل الأول، وهو العقل الذي تكمن فيه الحكمة! ولأن الطريق إلى هذا العقل يشترط تعاملاً مختلفاً في الحياة، فإنه يبقى، وبكل أسف، غائباً في مجتمعاتنا «المتطورة»!

نقلا عن جريدة القبس