
سعاد المعجل
عضو المكتب السياسي
أثار قرار حكومة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، القاضي بفتح تحقيق في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في لندن، دهشة الكثيرين، لتزداد الدهشة في ما بعد، حين نوهت فرنسا إلى احتمال قيامها بخطوة مماثلة.
مصدر الدهشة، هو في طبيعة العلاقات التي كانت سائدة بين الإخوان، منذ نشأتهم، وبين الغرب، إنكلترا ومن ثم أميركا.
وهي علاقة تفضحها عشرات الإصدارات ومئات المقالات التي تتناول حالة الود والوفاق بين الإخوان المسلمين عبر تاريخهم وبين الغرب، وهو ما جعل صحف بريطانية تعلق على قرار كاميرون، بالتحقيق في أنشطة الإخوان، بأنه أشبه بالدخول في حقل ألغام.
الإخوان يبررون الموقف الغربي الجديد منهم، بأنه نابع من خوف الغرب من عودة الخلافة الإسلامية، وهي حجة مضحكة أصبحت مصدر تندر في كافة أدوات التواصل الإلكتروني.
التحالف الغربي مع الإخوان لايزال قائماً، ولهجة الحدة التي تميّز بها قرار كاميرون ليست دليلاً على نهاية مثل هذا التحالف، أو على الأقل ليس بعد! فتاريخ مثل هذا التحالف بعيد، ومنذ نشأتهم أشار إليه وذكره أكثر من مؤلف في أكثر من كتاب.
أحد هؤلاء الذين استعرضوا تاريخ التحالف الغربي مع الإسلام السياسي بشكل عام هو مارك كيرتس، الصحافي والمؤلف الذي صدر له كتاب مهم بهذا الصدد في العام 2010، بعنوان «شؤون سرية: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي».
أهمية الكتاب، كما رأيته، أنه يشكّل وثيقة مهمة ودامغة لمواجهة ادعاءات الإسلام السياسي، وعلى رأسهم الإخوان، واتهامهم للقوى والتيارات الأخرى بأنها عملية ومتحالفة مع الغرب.
تضمَّن الكتاب أيضاً حواراً يدور بين اثنين من المسؤولين البريطانيين، وهو حوار تم عبر مراسلات نشرها مارك كيرتس في كتابه بتوثيق مصادرها، حيث يرسل أحد هؤلاء المسؤولين خطاباً يستفسر فيه عن احتمال أن يُشكل نفوذ ونمو الإخوان في مصر خطراً على المصالح الغربية في المنطقة، فيأتي الرد من المسؤول الآخر، بأنه ومهما بلغ خطرهم، فإنه لن يُشكل ربع ما يُشكله فكر جمال عبدالناصر من خطر مباشر على المصالح الغربية.
مصدر دهشة الكاتب ليس فقط في تحالف بريطانيا مع الإسلام السياسي، وإنما تواطؤها مع القوى الإسلامية المتطرفة، بما فيها التنظيمات الإرهابية، حيث تسترت عليها وعملت إلى جانبها، بل ودرَّبتها أحياناً لخدمة أهداف محددة.
فك مثل هذا الارتباط الطويل والمعقد بين الغرب من جهة، والإسلام السياسي من جهة أخرى، يتطلب أولاً خلق البديل، لكي لا يقفز إلى الفراغ الذي قد يُحدثه مثل هذا الإجراء، كيان يهدد مصالح الغرب في المنطقة، ولعل ما يحدث في سوريا من موقف غربي متردد يؤكد حقيقة ذلك.
حين خرجت الملايين في مصر يوم 30 يونيو 2013، رافضين للإخوان تطلَّب الأمر شهوراً، قبل أن تخرج واشنطن بتصريح واضح، والذين خرجوا في ذلك اليوم لاشك أنهم قادرون على فرض تيار فكري مدني قوي، ليحل محل فكر الإخوان، وليعيد الجيش إلى ثكناته.. هذا هو المستقبل، أما غيره، فسيكون ماضياً.
نقلا عن جريدة الطليعة