
عبدالله النيباري
الأمين العام الأسبق للمنبر الديمقراطي
بناءً على طلب الأعضاء، ناقش مجلس الأمة في جلسة الثلاثاء الماضي (2014/5/20)، مسألة تنويع مصادر الدخل الوطني في الاقتصاد الكويتي، والمقصود إيجاد بدائل للاعتماد المفرط على إيرادات النفط، وهو الثروة التي ستنضب، يوماً ما، وهو أمر حتمي لا جدال فيه.
والمحزن أن المناقشة كانت فقيرة في تناول جوهر الموضوع، سواء من جانب الأعضاء، أم من جانب الحكومة، التي ركزت على الجانب المالي فقط، وشاب عرضها خلط بين مفهوم الإيرادات العامة والناتج المحلي الإجمالي.
وموضوع تنويع مصادر الدخل والإنتاج الوطني تناولته خطة التنمية الخمسية للسنوات 2014/2013-2010/2009، وكان من أهم مستهدفاتها تنويع قاعدة الإنتاج الاقتصادي، بتقليل الاعتماد على إيرادات النفط، كمصدر أساسي للناتج الاقتصادي ولإيرادات الدولة.
ولكن أحداً لم يلتفت إلى موضوع الخطة، لا أعضاء المجلس، ولا الحكومة التي يفترض أن تقدّم تقريراً عن نتائج تنفيذ الخطة، باعتبار أن مدتها انتهت في شهر أبريل الماضي، ويفترض أن تتقدَّم بخطة التنمية للسنوات الخمس المقبلة.. فوفق ما جاء في مقدّمة تلك الخطة، أنها الخطوة الأولى في مخطط استراتيجي للتنمية على مدى 25 سنة مقبلة حتى سنة 2035.
ما طرحته الحكومة في الجلسة، هو عرض للجوانب المالية، والتركيز على مخاطر عجز الإيرادات، لتغطية الإنفاق العام، الذي يؤدي استمرار الزيادة المضطردة فيه إلى ظهور العجز المالي الحتمي.
وأمر العجز المالي قد تناوله تقرير الحكومة عن تنفيذ الخطة بعنوان «مسودة الخطة للسنة الرابعة 2014-2013»، المقدم إلى مجلس الأمة، وتطرَّق التقرير إلى العجز المالي، وإلى ما تم تنفيذه من مستهدفات الخطة، وكان الأجدى أن تعرض الحكومة هذا التقرير وتحديثه، فيشمل ما أنجز وما لم ينجز من مستهدفات الخطة الخمسية.
فهل كان إخفاق خطة التنمية السبب في تجنب الحكومة الحديث عنها وعن الخطة الجديدة للسنوات المقبلة؟
فشل الخطة
وحيث لا يوجد بشأن ما جرى للخطة إلا التقرير المشار إليه عاليه، وفي غياب أي تقارير أخرى عن حالة الاقتصاد الكويتي، بما في ذلك التقرير الاقتصادي للبنك المركزي عن 2012 و2013، فليس أمام المتابع إلا هذا التقرير «خطة التنمية للسنة الرابعة -2013 2014».
ووفقاً لما جاء في التقرير، فإن الإخفاق كان ما آل إليه تنفيذ الخطة، ولندخل إلى بعض التفاصيل.
تقول مقدّمة الخطة إنها وضعت التزاما بقانون رقم 60 لسنة 1986، في شأن الخطط الاقتصادية، ووفقا لأهداف استراتيجية طويلة للتنمية طويلة الأجل حتى عام 2035.
وكان من أهم مستهدفاتها إصلاح الاختلال الاقتصادي، بزيادة الدخل الوطني إلى الناتج المحلي الإجمالي، ورفع مستوى دخل المواطن ومعيشته، وذلك بتنويع القاعدة الإنتاجية، والاعتماد على القطاع الخاص، باعتباره قاطرة التنمية، وزيادة مساهمته في الدخل الوطني، وزيادة نصيبه في الاستثمار، واستيعاب القوى الوطنية الداخلة إلى سوق العمل، كما استهدفت الخطة تصحيح التركيبة السكانية وسوق العمل، والتركيز على التنمية البشرية، بما في ذلك رفع مستوى التعليم، إلى جانب تحسين الخدمات، بما في ذلك الخدمات الصحية والإسكان والبنية التحتية.
بالنسبة لنمو الدخل الوطني إلى الناتج المحلي الإجمالي وتصحيح الاختلال الناتج عن الاعتماد على قطاع النفط، استهدفت الخطة تحقيق نمو سنوي بنسبة 5.2 في المائة، ولكن بتقليل نصيب قطاع النفط في الزيادة، وزيادة نصيب القطاع الخاص في توليد الدخل.
لكن الناتج جاء عكس ما استهدفته الخطة، فقد زاد الاعتماد على قطاع النفط، بارتفاع معدل نموه إلى 11 في المائة، بدلاً من المستهدف، بنسبة 2.7 في المائة، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار النفط، وانخفض نصيب القطاع الحكومي غير النفطي إلى 5.2 في المائة، بدلاً من 7.5 في المائة، وكذلك كانت نتيجة مساهمة القطاع الخاص مخيبة للآمال، بتراجع نموه بالسالب بنسبة 3.5- في المائة، بدلاً من تحقيق زيادة 8.8 في المائة المستهدفة.
وكانت محصلة ذلك، أن فاقت الزيادة الفعلية في الدخل الوطني، ونسبتها 7.5 في المائة، بدلا من المتسهدف 7.5 في المائة، نتيجة لارتفاع أسعار النفط، ومؤدى ذلك زادت هيمنة القطاع النفطي على الاقتصاد، وارتفع نصيبه في توليد الدخل (الناتج المحلي الإجمالي) إلى 60 في المائة، فيما كان المستهدف 40.2 في المائة، وتراجع نصيب القطاع الخاص من 33 في المائة في عام 2009 إلى 23 في المائة عام 2012، في حين كان المستهدف أن يرتفع نصيبه إلى 42 في المائة من الناتج المحلي.
الاستثمار
يذكر المواطنون قضية الـ 35 ملياراً، المخصصة للاستثمار، وتساؤلاتهم المستمرة: ماذا حصل لهذه المبالغ الضخمة؟ وأين ذهبت؟
الحقيقة أنه لم يكن هناك صندوق يحتوي على هذا المبلغ مخصص للاستثمار، ولكن رقم 35 مليار دينار، هي تقديرات لحجم الاستثمارات المستهدفة بمعدل 7 مليارات دينار سنويا.
على كل حال، نتيجة التنفيذ أن معدل الإنفاق على الاسثتمار جاء أقل من المتوقع، والإنفاق الفعلي كان لسنتي (2011 و2012) 10.9 مليارات، بدلاً من 15.4 مليار دينار، وبمعدل سنوي 5.5 مليارا، بدلا من 7.7 مليارات دينار، وكان النقص الكبير في إخفاق القطاع الخاص، فبدلاً من إنفاق المستهدف، 3.4 مليارات سنويا، كان الإنفاق الفعلي للسنتين 4.1 مليارات، بدلا من المستهدف 7.6 مليارات دينار .
وفي الوقت نفسه، فيما كانت الخطة تهدف إلى ضبط وترشيد الإنفاق العام، ارتفعت مصروفات الدولة في السنوات 2012/2011-2011/2010 بمعدلات ضخمة، من 11.3 مليارا عام 2009 /2010 إلى 17 مليارا للسنة المالية 2011 /2012، وبمعدل سنوي بنسبة 23 في المائة.
تحسين التركيبة السكانية
استهدفت الخطة تحسين أو تصحيح التركيبة السكانية، برفع نسبة المواطنين من 32 في المائة في عام 2009، إلى 35 في المائة، لكن النتيجة الفعلية جاءت بنسبة 31.7 في المائة للكويتيين من إجمالي السكان لسنة 2012، ويرجع ذلك إلى ارتفاع عدد الوافدين بنسبة 3.45 في المائة سنويا، فيما زيادة الكويتيين بنسبة 2.8 في المائة سنوياً.
أما بالنسبة لسوق العمل، فقد بقيت نسبة القوى العاملة الوطنية إلى الإجمالي في الدولة منخفضة بنسبة 16.9 في المائة، في حين كان المستهدف أن ترتفع إلى 21 في المائة، وفي القطاع الخاص بقيت نسبتهم إلى إجمالي العمالة في القطاع عند 6.6 في المائة دون النسبة المستهدفة 8 في المائة، وارتفع عددهم من 67.4 إلى 82.8 ألفاً، مع الأخذ بعين الاعتبار التوظيف الوهمي. وكانت الخطة تستهدف توظيف 14 ألفاً من الداخلين إلى سوق العمل في القطاع الخاص، مقابل 8 آلاف في القطاع الحكومي، وزادت نسبتهم من 16.5 إلى 17.2 في المائة، وكان المستهدف 21 في المائة من إجمالي العمالة الوطنية.
التعليم
أما بالنسبة للتعليم، فما يسترعي الانتباه، هو ضخامة المسجلين في التعليم الجامعي وهيئة التعليم التطبيقي عن القدرة الاستيعابية في المؤسستين. ففي حين تقدَّر القدرة الاستيعابية في الجامعة بحوالي 25 ألفاً، بلغ عدد المسجلين 35 ألفاً، والتعليم التطبيقي كانت الطاقة الاستيعابية 21 ألفاً والمسجلين 25 ألفاً للسنة الدراسية 2012 /2013.
وفي هكذا وضع، من الطبيعي أن تتولد جميع المشاكل التي تؤدي إلى انخفاض مستوى جودة التعليم.
البطالة
لكن من أبرز ما كشف عنه التقرير ارتفاع نسبة البطالة وسط الكويتيين من 4.7 إلى 5 في المائة، وما يشد الانتباه، هو ارتفاع البطالة بين حملة الشهادات الجامعية والدبلوم، حيث ارتفع العدد من 16.2 إلى 19.4 ألفاً، وهي ظاهرة متنامية خطيرة.
الإسكان
تعكس الأرقام الواردة في التقرير حالة أزمة السكن، وهي الأزمة المتنامية التي زاد فيها عدد طلاب السكن على 112 ألفاً، في حين أن المنفذ لتلبية هذه الطلبات قليل جدا.
تقديرات الخطة أن المستهدف تنفيذه عام 2011/ 2012 هو 28 ألف قسيمة لم يزد المنفذ على 11 ألف قسيمة، والبيوت المستهدفة 4800 بيت، فيما المنفذ 824 بيتا، وهو ما يؤشر إلى احتمالات تفاقم أزمة السكن.
وتطرَّقت الخطة إلى قياس كفاءة الأداء الحكومي، مُقاسا بالمعايير الدولية، وشملت 12 معيارا، بلغ تأخر الكويت وتراجع موقعها في 9 مؤشرات، وتحسن طفيف في ثلاثة.
ومن أهم المؤشرات التي تراجع وضع الكويت فيها، هو زيادة المحاباة والهدر في الإنفاق العام، وانخفاض درجة الشفافية والسلوك الأخلاقي للمؤسسات وثقة الجمهور في السياسيين.
هذه محصلة تقرير متابعة تنفيذ خطة التنمية الخمسية، ولا أعلم ما إذا كان هذا الإخفاق هو الذي أدَّى إلى عدم تقديم تقرير وافٍ عن تنفيذ الخطة، وغض النظر عن تقديم خطط تنمية مستقبلية، ووفقا لمنظور التنمية الاستراتيجي حتى سنة 2035.
نقلا عن جريدة الطليعة