حبيب السنافي : الدوائر الضيقة

حبيب السنافي عضو المكتب السياسي

حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي

هل الحروب بين البشر، والتكالب على نهب خيرات الشعوب الأخرى من نوازع الجماعات وسجاياها؟ وهل دوام الاقتتال والتناحر ديدن الأمم في الماضي والحاضر؟

لو كان هذا صائباً، لما رأينا حال شعوب الدول المتحضرة في ما بينها حالياً من استقرار وسكينة، وتعاطيهم الفلسفة الإنسانية في ما بينهم، وشيوع السياحة وحب الاطلاع على حضارة الأمم الأخرى.
إن ما يطلق نفير الحروب، هو هيمنة وتفرد دوائر ضيقة بالقرار السياسي والعسكري والاقتصادي الموجه لمصير شعب من الشعوب، من دون أن تكون لهذه القرارات من منبع أو مطلب أو مسعى للشعب يبغيه، لنأخذ مثالاً من تاريخنا الإسلامي، فما إن انتقل النبي، القائد الديني والعسكري للمسلمين، إلى جوار ربه، حتى التأمت مجموعة صغيرة من أصحابه، واتخذت بيعة الخلافة، وأضحت السلطة والإرادة بيد فرد تعامل مع الأحداث بروح المسؤولية المنفردة، وانتقلت مسؤولية الحكم وسلطته من بعده ليد خليفته بالوصاية، وهكذا وصل الأمر إلى الخليفة الثالث، الذي اختير من دائرة ضيقة من الصحابة لم تنتخب أو تزكى من قبل الأمة العريضة من المسلمين، فيما أدرك الخليفة الرابع، بحكمته ورجاحة فكره، المعضلة، فطلب البيعة العامة – الدائرة الأوسع – ليعبر عن وجدان الأمة ووعيها الإنساني، لا أهواء ومطامع الدائرة الضيقة الراغبة في الاستفراد بالحكم والسلطة والثروة.

يستمر المسلسل التاريخي بالإمضاء، دولة أموية تليها عباسية، وأخرى فاطمية، دوائر ضيقة مصبوغة بالطائفية والمذهبية والقبلية، تتسنم مراكز القيادة وزمام القرار فيها.. أما الشعوب، فواجبها الجهاد والتضحية، دفاعاً عن نفسها ضد الخطر المتربص بها من الخارج، فيما الخطر الحقيقي قابع بين ظهرانيها.

الشعوب يحال أن تعتدي على جيرانها وتفتك بها كطبيعة الغاب، أو أن تتقاتل في ما بين طوائف المجتمع نفسه، الحكومات الدكتاتورية المتشرنقة بالتدين والعنصرية، التي توجهها وتسيرها، فئة تضيق فيها دائرة القرار، لتصل لأفراد معدودين أو فرد، هي التي عادةً ما تتخذ قرار الحرب أو الإبادة وسلب خيرات الأمم الأخرى وثرواتها الدائرة الضيقة، ربما تكون حزباً أو عشيرة أو عائلة أو حاكماً دكتاتورياً، تخضع له إرادة الجميع بلا جدال.

تمعن عزيزي بالأحداث الجارية حولك، فأميركا وروسيا وحديث الديمقراطية الخادع، شعوبهما لا يتنعم أغلبها بالرخاء والرفاهية، فشعوبهما تتكفل بفواتير الحرب، من ضحايا ومعاقين وضرائب، من دون طائلة من هذا العبث الدموي، فيما ملاك الشركات الرأسمالية للدوائر الضيقة تتضخم أرصدتهم ببلايين الدولارات، نهباً واغتصاباً، بكل الوسائل وتنوع الصور.

 الكراهية التي بذرت بين الشعوب، نتيجة للحروب، لابد من محوها، والدعوة للوئام والألفة في ما بينها، لأنها لم تكن يوماً خصماً بعضها لبعض، لأنه لا عداء بين الشعوب، إنما العداء بين الحكام والأنظمة – الدوائر الضيقة – من بلد إلى آخر، والمصالح الفئوية الضيقة النهمة لرأس المال هي الغالبة على مصائر الشعوب وتسخيرها لمطامعها، مستغلة جهل الشعوب وعوزها.

على الشعوب المقهورة أن تنهض من سباتها، وتحاول جاهدة إعادة صياغة هياكلها وتنظيماتها السياسية من جديد، في محاولة لسحب البساط من تحت أرجل الدوائر الضيقة المتحكمة بمصائر مليارات البشر منذ القدم.

نقلا عن جريدة الطليعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*