
عبدالله النيباري
نائب سابق
زيارة أمير البلاد سمو الشيخ صباح الأحمد إلى إيران اكتسبت أهمية كبيرة، سواء على مستوى دول الخليج أم على المستويين الإقليمي العربي، أو حتى على المستوى العالمي، فقد جاءت هذه الزيارة، كما نقل، بناءً على تمنيات أو طلب من جانب المسؤولين في إيران من ناحية، وفي أعقاب تصريح لوزير خارجية المملكة العربية السعودية سعود الفيصل، عن توجيه دعوة لوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف لزيارة الرياض، واستعداده لاستقباله في أي موعد يختاره، والتي ووجهت بالترحيب من الوزير الإيراني، واعتذاره عن عدم حضور مؤتمر وزراء خارجية الدولة الإسلامية في المملكة لتعارضه مع اجتماع دول «5 + 1».
روحاني والاعتدال
منذ مجيء الرئيس روحاني، بعد فوزه على خمسة مرشحين من المحافظين لرئاسة الجمهورية، بنسبة فاقت الخمسين في المائة من الدوره الأولى، تغيَّرت لهجة الخطاب الإيراني، وأصبح يميل نحو الاعتدال، مقارنة بخطاب سلفه الرئيس أحمدي نجاد، وأرسل روحاني وفريقه رسائل صريحة، بأن سياسة حكومته تتجه نحو الاعتدال والبراغماتية على المستوى الداخلي، وفي العلاقات الخارجية، سواء مع دول العالم، أو دول الجوار على وجه الخصوص، وقد أكد ذلك وزير الخارجية محمد جواد ظريف عبر تصريحاته.. وأخيراً، في مقال واسع في مجلة الشؤون الخارجية (فورن أفيرز) الأميركية الفصلية.
في هذا المقال، قدَّم ظريف شرحاً وافياً لفلسفة روحاني وفريقه في السياسة الخارجية، يرتكز على نظرته إلى التعددية في السياسة الخارجية، بسبب تعدد اللاعبين الدوليين، بما فيهم المنظمات الدولية والقوى الفاعلة من غير الدول، بل حتى الأفراد ممن جعل صياغة السياسات أكثر تعقيداً.
وقال إن سياسة إيران منذ ما بعد الثورة الإسلامية تهدف إلى الحفاظ على استقلال إيران وسلامة أراضيها والأمن القومي وتحقيق التنمية الوطنية طويلة المدى والمستدامة.
إيران الثورة عاشت هاجس التهديد الخارجي لإسقاط النظام، والنقلة من رئاسة أحمدي نجاد إلى رئاسة روحاني وفريقه اتجهت إلى تبني نهج التصالح مع العالم، وكان أبرز مثال على ذلك هو اتفاق جنيف بين دول «5 + 1» وإيران حول توفير الاطمئنان واستعداد إيران عدم المضي في إنتاج أسلحة نووية، وهو ما درجت على تأكيده، بأن برنامجها النووي للاستخدام السلمي، وليس للوصول إلى امتلاك السلاح النووي.
مصالحة إيران
في هذا الإطار، تكتسب مسألة مصالحة إيران مع دول الإقليم في الخليج العربي والمنطقة العربية أهمية خاصة، فقد ترافق قيام ثورة 1979 مع ما يوصف بالصحوة الإسلامية، وخاصة ببعدها الجهادي في أفغانستان، والذي انتشر في العديد من الأقطار العربية، وتعداها إلى أفريقيا.
في زمن الصحوة الإسلامية والجهاد الإسلامي برز الفرز الطائفي، وإذا كانت الانتماءات المذهبية والطائفية أمراً واقعاً في هذه المجتمعات، فقد ظلت تتعايش في سلام ووئام، وكانت الأحزاب والكتل السياسية تضم كافة الأطياف المذهبية، وفي مرحلة الثلث الأوسط من القرن الماضي كانت قيادات التيارات القومية واليسارية تتكون من كافة الانتماءات المذهبية، لكن ما نشهده اليوم في الساحة العربية، وخاصة في المشرق، هو الاستقطاب الطائفي في الميدان السياسي.
هذا التطور هو مصدر القلق لدى دول الخليج العربي، ومخاوف هذه الدول، هو استخدام هذا الفرز الطائفي، لتحقيق التوسع في النفوذ السياسي، كما يشاهد في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
خطوة أولى
ومن هنا، فإن النجاح الذي تكلل بزيارة سمو أمير الكويت، ما هو إلا خطوة أولى في طريق طويلة لإزالة التوتر وتحقيق الاستقرار المنشود، والذي قال عنه الرئيس روحاني، إنه أساس بناء التنمية والازدهار للمنطقة.
هي طريق قد تكون وعرة، لأنها تتجاوز تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، فالقلق الذي يسود المنطقة يتعدى ذلك إلى ضرورة معالجة التركيب السياسي في المنطقة.
إيران ترى أن ما تملكه من حجم سكاني ومركز جغرافي وتاريخ وحضارة، وتضاف إليها احتياطاتها من النفط والغاز، يهيئها لأن تلعب دوراً ذا ثقل استراتيجي في المنطقة، وعلى مستوى العالم، وهو أمر مشروع، إذا لم يكن مرتبطاً بممارسة النفوذ والهيمنة، ومن دون رفع شعارات امتداد النفوذ إلى شواطئ البحر الأبيض.
العراق بعد سقوط صدام يمر بمرحلة تمارس فيه إيران نفوذاً يمتد إلى تعيين رؤساء الوزارات، وهو ما أدَّى إلى استطالة الأزمة التي يعيشها.
في سوريا، يقول مرشد الثورة السيد علي خامنئي إن إيران تقبل ما يقرره الشعب السوري، ويحذر من قوى الإرهاب والتطرُّف، لكن الشعب السوري غير متاحة له حرية الاختيار، وإذا كان الإرهابيون يشكلون خطراً، فإن الإرهاب الأكبر، هو ما يفعله النظام، الذي قتل حوالي مائة وخمسين ألفا، وشرد حوالي 8 ملايين في الداخل والخارج.
وفي حين أن الدستور الإيراني يقيد ولاية رئيس الجمهورية بدورتين حددهما بثماني سنوات، ففي سوريا تولى بشار الأسد مركز الرئاسة بالتوريث قبل 14 سنة، وهو بصدد التجديد لست سنوات أخرى وقد لا تكون الأخيرة.
حلّ المعضلات السياسية
لذلك، فإن تحسُّن العلاقات وتطورها بين دول الخليج العربي وإيران يتجاوز العلاقات التجارية والاقتصادية، إلى حل المعضلات السياسية في المنطقة.
وإذا كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترفع شعار مقاومة إسرائيل والصهيونية، التي تضغط من خلال نفوذها على تأجيج العداء لإيران، كما يقول ظريف في مقاله، فإن سياسة إيران في العراق وسوريا ولبنان أدَّت إلى تفتيت هذه المجتمعات، وأضعفت قوى مقاومة إسرائيل، بدلا من بناء قوتها، ودليل ذلك ما نشاهده من ارتياح تشعر به إسرائيل واستمرارها في قضم وهضم الأراضي المحتلة، وهو أمر يتناقض مع قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، وآخر التصريحات، هو ما يعلن الآن عن ضم المستوطنات الكبرى، واعتبار الجدار العازل حدود إسرائيل والسماح للفلسطينيين بإقامة دولتهم، في ما تبقى مع كل القيود التي يفرضها العدو الصهيوني.
مواجهة العدو الإسرائيلي تتطلب تكاتف دول الإقليم العربية بالدرجة الأولى، بمساندة الدول الإسلامية، واستخدام ما لها من نفوذ على المستوى العالمي.
ومن هذا المنظور، فإن ما تحقق من نجاح بزيارة سمو الشيخ صباح الأحمد، هو خطوة صغيرة في طريق طويلة، لكنها جديرة بأن تستثمر لتسريع الخطى إلى مسافات أبعد.
نقلا عن جريدة الطليعة