حبيب السنافي : العراق الجريح

حبيب السنافي عضو المكتب السياسي

حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي

الأحداث الدامية الحالية، التي تجري على أرض العراق، من إرهاب «داعش» ونشرهم للقتل المجاني، وقدرتهم على السيطرة على عدة محافظات، نتيجة خيانات ومؤامرات ليست بغريبة على تاريخ العراق، ما هي إلا نتيجة حتمية للسياسات الداخلية الفاشلة للحكومات المتعاقبة منذ سقوط الطاغية صدام حسين.

فمنذ أكثر من عشر سنوات والشعب العراقي مبتلى بسياسة طائفية انتهجت بدلاً من النهج الوطني الذي يلمّ شمل أبناء الوطن الفرقاء تحت مظلة واحدة، كما أن وضع دستور عراقي مهما بلغ من السداد والرقي لا يمكنه أن ينتشل الوطن من أزماته، ما لم يفعّل ويطبق ويتحقق من خلال برنامج حكومي وإرادة سياسية مؤمنة بحكم مدني قائم على المبادئ الديمقراطية، وهذا ما لم يتحقق على أرض الواقع، بل استند الصراع السياسي إلى المحاصصة الطائفية والولاءات الحزبية والمذهبية، بعيداً عن المصالح الوطنية المشتركة.

من يتصارع ويتقاتل في العراق هم عراقيون، عيونهم على مناصب الحكم، وقلوبهم على ثرواته المستباحة، وما عاد الفلاح العراقي وبقراته يخطر ببالهم، ولا غدت مواسم النخيل والحنطة بحسبانهم، وصُمت آذانهم عن تغريد البلابل الطاوية على جذوع النخيل اليابسة، ومواكب ضحايا العنف والإرهاب في صدر نشرات الأخبار.
العراقي أمسى غريباً في موطنه، لم يعد لمقولة «ابن ولايتي» حنينها ودفئها، ولم تعد لأغاني سعدون جابر وفؤاد سالم أنينها، ومياه الرافدين لم تعد قادرة على إرواء ضفافها، ونخل العراق الشامخ لم يعد رمزاً للعراق، فموارد آبار النفط غدت تدغدغ أحلام البعض، ومنذ سقوط صدام حتى الآن تم اختلاس ونهب وسرقة ما يربو على 750 مليار دولار من أموال الشعب المحروم من أدنى الخدمات العامة،
والذي لا يزال يعيش معظمه في خرائب الطين المسقوفة بجريد النخيل وسعفه.

 التفاهم والاتفاق السياسي بين الأحزاب والقوى السياسية والتضامن والتكاتف الاجتماعي مدخل لإصلاح الجبهة الداخلية في العراق، واستقلال القرار الحكومي بمنأى عن التدخلات والضغوط الخارجية يحصن السيادة والاستقلال، ويعزز الوحدة الوطنية، ويرمم جسور الثقة المتضعضعة بين أطياف المجتمع ومكوناته.

 الفصائل الجهادية المتمردة والمسلحة وأولاها «داعش»، والمؤلفة من جنسيات متنوعة، فصائل مأجورة، قياداتها وتمويلها مجهولة الهوية، ومحال أن تتمكن من إنشاء دولة على أي بقعة أو إقليم أو محافظة، فكل المنظمين لها من القتلة وسفاكي الدماء والعاطلين، وشراذم كهؤلاء من المحال أن تعترف أو تتعامل معهم أي دولة أو حكومة، وهم أداة إجرامية ووسيلة لكسب الصراع والمنافسة على الحكم مهما كلف الثمن من دماء الأبرياء.

نقلا عن جزيدة الطليعة