عبد الله النيباري : الأزمة مخيفة ومعالجتها تتطلب حزماً وجدية من السلطة

عبدالله النيباري نائب سابق

عبدالله النيباري
نائب سابق

قد تكون الأزمة، أو الأزمات التي تعيشها الكويت اليوم، لم يسبق أن واجهت مثيلاً لها طوال تاريخها، فقد واجهت الكويت عبر التاريخ أزمات عديدة، منها ماكان نتيحة أوضاع داخلية، كتزوير الانتخابات، وتعليق العمل بالدستور، وحل مجلس الأمة عدة مرات، وسوق الأوراق المالية، ومنها ما كان نتيحة أوضاع خارجية، مثل الغزو العراقي.

وعلى الرغم من تلك الأزمات، كان المجتمع الكويتي متماسكاً موحداً في مواقفه لمواجهة كل هذه التحديات، وتجلى ذلك في موقفه البطولي في مواجهة مرحلة الغزو.

اليوم، حالنا مختلف.. فلسنا متوحدين أو لنا موقف صلب، كما كنا في مواجهة الغزو الصدامي، ولسنا متوحدين كمجتمع في موقف الاحتجاج على إجراءات خاطئة من قبل السلطة الحاكمة.

صراع داخلي

الصراع اليوم داخلي، وفي أعلى قمة الهرم، في أوساط أسرة الحكم نفسها وأطرافها من ذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح، وهم ممن يحق لهم، بنص الدستور، تبوؤ مسند الإمارة ورئاسة الدولة، وممن جرى العمل على توليهم أهم المناصب في الدولة، ابتداء من رئاسة الحكومة إلى مناصب الوزراء والمناصب الإدارية العليا في القوات المسلحة وقوى الأمن والمخابرات، إضافة إلى المناصب القيادية في الإدارات المدنية.

ما تواجهه الكويت اليوم من صراعات قد يؤدي إلى تفتت مؤسسات الدولة وتمزق نسيج المجتمع.. فهنالك قضية الشريط، الذي أدى إلى توجيه اتهامات بالتآمر على مؤسسات الحكم، والتعاون مع العدو الصهيوني.. وهنالك الحسابات المصرفية لشخصية تبوأت مناصب عليا في الدولة، حيث تكشف هذه الحسابات إيداعات رفعت قيمتها من 235 مليوناً إلى 17٫3 مليار دولار، ومن هذه الحسابات تحويلات لشخصيات في السلطة القضائية، وشخصيات أخرى تتبوأ مراكز في الدولة.

وهناك علاقة بين هذه الحسابات ورشوة النواب، التي عرفت بالإيداعات النقدية المليونية في حساباتهم المصرفية، وهناك معاملات وتحويلات بالمليارات عن طريق إسرائيل.

تفشي الفساد

تفشي رقعة الفساد بصورة مريعة في أجهزة الدولة، سواء الفساد الكبير بالملايين والمليارات بصوره المختلفة، أو الفساد الصغير بآلاف الدنانير أو حتى بشريحة تلفون جوال، خلق بيئة ملوثة، واتسعت مساحة الشك لدى الناس، وباتوا أميل لتصديق كل ما يثار من شبهات عن عمليات الفساد والافساد.

اليوم، انفجرت هذه الأمور في ظروف داخلية سيئة، والوضع السياسي غير مرضٍ، فالحكومة ضعيفة غير قادرة على ضبط أمور الدولة، ومجلس الأمة عاجز عن ممارسة الرقابة والمساءلة، والجهاز الإداري مخلخل ومهترئ، وقضايا اجتماعية تتراكم من دون حلول، كالإسكان وفرص العمل والخدمات بشكل عام، وفوق كل ذلك ظروف خارجية حرجة ومتأزمة لا ندري متى يصلنا لهيبها أو زحفها بعد تمدد ظاهرة داعش في العراق ومخاوف انفجار حرب أهلية ذات طابع طائفي.

إذن، ما العمل وما المطلوب؟

هل يكفي إحالة ما جاء في مساجلات بين الأطراف (مسلم البراك ومرزوق الغانم وأحمد الفهد) وتقديم البلاغات من رئيس الوزراء والشيخ أحمد الفهد إلى النيابة ليوصلنا إلى قرار بفرز الصحيح من غير الصحيح ويفضي إلى قرارات حاسمة وإجراءات رادعة؟ قد يكون ذلك أمراً ممكناً، ونأمل ذلك.

خشية الشعب

ولكن، إذا استرجعنا ما جرى في قضية سرقات الناقلات، وقضية الإيداعات النقدية المليونية لثلاثة عشر نائباً عاد معظمهم إلى مجلس الصوت الواحد، فإن غالبية الشعب تساورها الخشية من ألا يؤدي اللجوء إلى القضاء إلى نتائج حاسمة تكشف الحقائق وتؤدي إلى اتخاذ إجراءات رادعة بحق من ارتكب مخالفات أو جرائم أيا كان موقعه السياسي أو الاجتماعي أو العائلي.

إننا في الكويت لا نزال نعاني من مشكلة غياب الشفافية والعلانية والإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالشأن العام، وهو حق للمواطنين، لكنهم، حتى الآن، مغيبون عما جرى في قضية سرقات الناقلات وقضية الإيداعات.

لذلك، فإن المطلوب من أجهزة الدولة ومؤسساتها، ابتداء من أسرة الحكم وأوساط الشيوخ، السؤال عن صحة الحسابات المصرفية المنسوبة إلى شخصية منهم، فإن صح ذلك يطلب إصدار تفويض منها لمطابقة البيانات مع سلطات البنك، وهذا أمر ممكن، ولو أن ذلك قد حصل فربما نكون قد قطعنا نصف الطريق.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة لديها وسائل بأجهزة استخباراتها تستطيع الوصول إلى ما وصل إليه الشيخ أحمد الفهد، بما في ذلك الاستعانة بمؤسسات مالية ومؤسسات تتبع المعلومات.

إذن، المطلوب إجراءات حاسمة وحازمة من جانب السلطة تعبر عن جديتها في معالجة الأزمة، التي بات استمرارها وتداعياتها خطراً على مؤسسات الدولة وعلى المجتمع.

نقلا عن جريدة الطليعة