عبد الله النيباري : أزمة العراق.. بين نار التقسيم وجحيم الحرب الأهلية

عبدالله النيباري نائب سابق

عبدالله النيباري
نائب سابق

مثلما قدَّمت «داعش» خدمة لنظام بشار الأسد، ووفرت له الذرائع، للادعاء بأن نظامه يواجه أعمال مجاميع إرهابية – «داعش» وأتباعها – لا ثورة ضد الاستبداد والفساد وخنق الحريات، علما بأن «داعش» لم تصطدم بقوات الأسد، ولم تطلق رصاصة واحدة ضده، ووجهت كل أعمالها ضد القوى المقاومة الأخرى، وضد سكان المناطق التي سيطرت عليها وعلى الأخص الأكراد، فها هي اليوم، توفر الذرائع نفسها لنوري المالكي، لرفع رايات مقاومة الإرهاب، واستخدام شعارات طائفية، لتحشيد قوى الطائفة الشيعية في جيش رديف، لمواجهة زحف «داعش»، بعد أن انهار الجيش الرسمي، وانسحبت قياداته وأفراده أمام هجوم هذا التنظيم.

نتائج احتكار السلطة

يتفق الجميع داخل العراق وخارجه على أن نجاح «داعش» في اختراق العراق والاستيلاء على الموصل ومدن الأنبار والسيطرة على أكثر من ثلث العراق، ما هي إلا نتائج سياسة احتكار السلطة، وإقصاء مكونات المجتمع العراقي الأخرى.. فبدلاً من تشكيل حكومة مشاركة حقيقية، سعى المالكي للانفراد بالسلطة، محتكراً في يده وزارتي الدفاع والداخلية والجيش وقوى الأمن والمخابرات، واعتمد على الموالين بتمكين المقربين منه من المناصب القيادية المهمة، حتى قبل انسحاب الأميركيين، واستفحلت هذه الظاهرة بعد رحيلهم وتولي المناصب القيادية على أساس طائفي وعائلي.
.. واستفحال الفساد
ومع استفحال الفساد، ازداد العجز عن بناء جيش وطني محترف بعقيدة وطنية، وأصبح ينظر إلى الجيش العراقي على أنه قوة عسكرية طائفية تستغلها حكومة المالكي في قمع المخالفين والمعارضين، وليس جيشا لحماية الوطن.

وبدلاً من الاستجابة لمطالب المناطق السنية، التي رفعت في التظاهرات الاحتجاجية استخدم المالكي العنف لقمعها، ونتيجة هذه السياسة، تحولت المناطق السنية، لتصبح حاضنة اجتماعية لأي قوى مناهضة لحكومة المالكي في مواجهة جيش ضعفت روحه المعنوية، وافتقد الرغبة في الدفاع عن النظام، ففرت قياداته ثم أفراده من المعركة، يضاف إلى ذلك الأوامر بالانسحاب، ما سهل اجتياح قوى «داعش» الموصل والسيطرة عليها والزحف جنوبا، لتوسيع سيطرتها على الأنبار وديالى.

تجييش

لم تكترث حكومة المالكي لكل التحذيرات، التي جاءت من الأميركيين، وكذلك من الأكراد، بأن هناك تحركات مريبة تنبئ بمخاطر في الموصل، وكان ردها بأن الوضع تحت السيطرة.

بعد هزيمة الجيش الذي يفترض أنه حظي بتدريب الأميركيين، لجأ المالكي لرفع شعار تشكيل جيش رديف، مستنهضاً عواطف الشيعة وتجييشهم لمواجهة الجحافل التي تهدد المراقد المقدسة، وغرضه الأساس تعزيز مركزه، للحصول على رئاسة الحكومة للمرة الثالثة، وهو موقف يواجه معارضة ليس من السُنة فحسب، بل من جماعة مقتدى الصدر والمجلس الأعلى للثورة بقيادة عمار الحكيم، إضافة إلى الأكراد.

المالكي، الذي لا يملك أغلبية في البرلمان الذي انتخب حديثاً، يحاول أن يستثمر اجتياح «داعش» وشعارها بتهديد المراقد المقدسة والضغط الإيراني على الكتل الشيعية، للعودة للمرة الثالثة لرئاسة الحكومة.

ضغوط وحل سياسي

وعلى الرغم من الضغوط الأميركية التي عبَّر عنها وزير الخارجية جون كيري، بضرورة تشكيل حكومة تشارك فيها كافة الأطياف، فإن العقبة الأساسية تكمن في عودة المالكي لرئاسة الحكومة أو اختيار شخصية أخرى.

فكل الأطراف، الداخلية والخارجية، ترى أن مواجهة «داعش» تتطلب حلاً سياسياً وفاقياً بين كافة الأطياف، لإيجاد موقف موحد في مواجهة الخطر الوجودي الذي يتهدد العراق.

ومن دون ذلك، فالاحتمالات تتراوح بين سيئ وأكثر سوءاً.. فإما تقسيم العراق إلى مناطق شيعية وسنية وكردية، وهو أمر ليس سهلاً، فإن وضع بغداد بتركيبتها السكانية المختلطة تقف عقبة أمام ذلك، أو انجراف الوضع إلى حرب أهلية طائفية، وهو خطر قد لا يعمّ الإقليم العربي فحسب، بل قد يعمّ منطقة الشرق الأوسط، بامتداده إلى إيران وباكستان وأفغانستان، وحيث يوجد مسلمون شيعة وسُنة على مستوى العالم كله.

نقلا عن جريدة الطليعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*