لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها الناشطون قضية التحرش الجنسي في الكويت، ولكنها تعتبر من أكثر الحملات التي لاقت صدا واسعا وتفاعلا على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وصولا إلى تبنيها من قبل بعض البرلمانيين. يثمن المنبر الديمقراطي جهود كل العاملين على هذه القضية الحيوية، سواء عبر التوعية بها وبآثارها على سلامة وحياة النساء والفتيات، أو العمل على إيجاد حلول وآليات للحد منها.
يعتبر التحرش انتهاكا لحق المرأة والفتاة في العيش الآمن والتنقل بحرية، ورغم وجود بعض النصوص القانونية التي قد تجرم التحرش الجنسي سواء في العلن، أو في الأماكن الخاصة والمغلقة (المواد 198، 199، و200 من قانون الجزاء الكويتي) إلا أن هذه المعالجة التشريعية أثبتت عدم فعاليتها في الحد من هذه الانتهاكات، خصوصا في ظل عدم وجود تحرك مؤسسي جاد لرفع وعي الأفراد وتغيير ثقافة المجتمع فيما يتعلق بقضايا المرأة والعدالة الجندرية بشكل عام.
أحد صور التحرش الذي تركز عليه الحملة المجتمعية الحالية، هو التحرش الجنسي والملاحقات في الأماكن العامة والذي بلغ من الجسامة أن أدى لكثير من الحوادث في الشوارع، وأودى بحياة عدد من النساء أثناء قيادتهن للسيارة. هذا النوع من التحرش يعتبر أيضا تعديا على حق النساء والفتيات بالتنقل والتحرك بحرية، وهو أحد حقوق الإنسان التي يجب أن تكفل وتصان وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
قد يصعب تجريم كافة أشكال التحرش قانونيا، فللتحرش أشكال مختلفة، والتي من ضمنها النظرات والتصرفات التي قد تدفع الطرف الآخر للشعور بالضيق وعدم الارتياح، فالتحرش لا يقتصر فقط على الملاحقة أو التعدي اللفظي، الجسدي (كملامسة اليد أو الكتف) والجنسي غير المرغوب فيهم من قبل الطرف الآخر، بل يتعدى ذلك إلى انتهاك خصوصية الطرف الآخر وحقه في عدم الشعور بالانزعاج. لذلك، يكون لوعي الأفراد والثقافة المجتمعية دور كبير في الحد من انتهاك حق النساء والفتيات وأي فرد في التواجد في الأماكن العامة والمغلقة بحرية وارتياح، وتوفير بيئة أمنة خالية من الاعتداء وكافة أشكال التحرش. وفقا لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، يجب على دولة الكويت أن تقوم بإدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في تشريعاتها وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ. كما يجب عليها اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة، وفرض الحماية القانونية لضمان الحماية الفعالة للمرأة. وبناء على المادة السابقة، يطالب المنبر الديمقراطي مؤسسات الدولة المعنية الالتزام بدورها فيما يتعلق بـ:
- إدخال التعديلات التشريعية اللازمة التي تراعي الحساسية الجندرية للقضاء على هذا النوع من الاعتداءات والانتهاكات.
- رفع الوعي والثقافة المجتمعية حول قضايا التحرش الجنسي مع الالتزام بمنهجية جندرية عند معالجة أية قضايا من هذا النوع.
- توفير التدريب اللازم لمنتسبي المؤسسة الأمنية ومؤسسات الدولة الأخرى المعنية للتعاطي مع قضايا التحرش والعنف الجندري بشكل أكثر حساسية وفعالية.
كما تابعنا بعين الراصد الخطاب التي تتبناه المؤسسات الإعلامية الرسمية للدولة (والمؤسسات الخاصة الخاضعة لقوانينها ولوائحها) في بعض برامجها عبر المقدمين وطرح ضيوفهم، والذي من شأنه أن يساهم في ترسيخ الصور الجندرية النمطية وممارسات التمييز والعنف ضد النساء والفتيات في المجتمع. لذلك، يطالب المنبر الديمقراطي وزارة الإعلام بالعمل على شجب هذا الخطاب وإعداد اللوائح التنظيمية والإرشادية، وتوفير التدريب اللازم لمنتسبي المؤسسة الإعلامية لتلافي مثل هذا الطرح. فوفقا للمادة (2) من اتفاقية سيداو، يجب على الدولة أن:
“تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقا لذلك تتعهد بالقيام بما يلي:
(د) الامتناع عن مباشرة أي عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام؛
(هـ) اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة،
(و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة”.
كما يناشد المنبر مؤسسات المجتمع المدني والناشطين فيه الاستمرار في حملات التوعية والمناصرة والضغط للعمل على وضع حلول فعالة لهذه القضية الحيوية وقضايا حقوق الإنسان الأخرى في دولة الكويت لما للمجتمع المدني من دور أساسي في الدفاع عن الحقوق والحريات في كل مكان، وتوجيه الجهات المعنية لتبني أنسب الحلول.
أيضا، يلتمس المنبر من النواب الأفاضل المهتمين بإيجاد الحلول التشريعية اللازمة لهذه القضية (وغيرها من القضايا المتصلة بالحقوق والحريات) التنسيق مع الناشطين والمختصين من المجتمع المدني عند مناقشة هذه القضايا وطرح الحلول والتشريعات اللازمة لمواجهتها لما لهؤلاء المختصين والناشطين من خبرة ستساهم في طرح حلولا أكثر عمقا وواقعية.
أخيرا، قام بعض النواب الأفاضل مشكورين بالتجاوب سريعا مع حملات مناهضة التحرش الأخيرة عبر طرح مشروع قانون بشأن مكافحة جريمة التحرش، وهي استجابة تعكس اهتمام هؤلاء النواب بقضايا المجتمع. إلا أن مشروع القانون المقدم غفل عن بعض الجوانب الهامة للقضية والتي من شأنها أن تجعل مشروع القانون (في حال إقراره) أكثر فاعلية في التصدي لجريمة التحرش. فمن أهم الجوانب التي غفل عنها مشروع القانون هي خصوصية علاقة المتحرش بالشخص المتحرش به، فعلاقة المتحرش الغريب ليست كعلاقة المسؤول بالموظف، الأستاذ بالطالب، العامل برب عمله الذي يقيم معه في نفس المكان. كما لم يتطرق القانون أو مذكرته الإيضاحية بوضوح لآليات حماية المبلغ، آليات الإثبات، ودور المؤسسات الأخرى بخلاف وزارة الداخلية في هذه القضية. لذلك، من المهم جدا أن يشرك النواب المجتمع المدني المنهمك بالعمل على الأرض بشكل يلامس نواحي القضايا المختلفة (والمطلع على تجارب الدول الأخرى والتوصيات الدولية في هذا الشأن) عند صياغة أي مقترحات تشريعية لضمان خروجها للنور بشكل يضمن فعاليتها.