
د. أحمد الخطيب
نائب سابق
اعتقد الصهاينة بأن تحويل غزة إلى سجن كبير، كما سماه ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا، كفيل بدفع الفلسطينيين إلى النزوح إلى مصر أو إلى الأردن، بعد أن صعب نقلهم جماعياً إلى خارج القطاع دوليا، ولم يدركوا أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتخلى عن وطنه.
كان نتنياهو يعتقد بأنه سيجبر أبناء غزة على ردم الأنفاق التي أصبحت تهدد أمن الإسرائيليين، بمجرد إعلان قراره باستعمال القوة، مثلما حصل مع صدام حسين، عندما تمّ إنذاره باستعمال القوة إذا لم يدمر قدراته الذرية، وقد امتثل حينها لأوامر أميركا، كما فعل كذلك بشار الأسد، بالتخلص من سلاحه الكيماوي، بعد أن تلقى إنذاراً مماثلاً من الغرب.. هذا التحليل الخاطئ هو الذي شجع نتنياهو على استعمال الأسلوب نفسه، لكنه نسي الفارق الكبير بين هاتين الحالتين، فصدام والأسد لم يملكا القاعدة الشعبية التي تقف معهما، لأن حكمهما فردي، ليست له امتدادات شعبية، بعكس الوضع في غزة، فقرار المقاومة فيها شعبي، نابع من إيمان الشعب في حقه باستخدام جميع الإمكانيات المتوافرة لديه لتحرير بلده من استعمار استيطاني قذر، وهذا النضال يحظى بمواثيق دولية وتأييد الرأي العالمي، كما نشاهد الآن.
خطأ نتنياهو
تقول Judirudoren في جريدة نيويورك تايمز الأميركية بتاريخ 2014/8/1، إن «نتنياهو أدرك الآن خطأه في حصار غزة، وكان عليه أن يسهّل الحياة على أهلها، كي يعيشوا حياة طبيعية، فما تكبَّدته إسرائيل من خسائر فادحة في الأرواح والأموال، وردود الفعل العالمية الغاضبة على تصرفاته الوحشية بقتل الأطفال والأبرياء -هذه التصرفات الخرقاء- حطمت الأسطورة الكاذبة لإسرائيل كدولة ديمقراطية حضارية مهددة من أنظمة دكتاتورية جاهلية لا قيمة للإنسان في مجتمعاتها».
كذلك، فللمرة الثانية تجد إسرائيل أن هيبتها العسكرية المزيفة تُمرغ في التراب الفلسطيني بيد أبطال معركة تحرير الأرض التي خاضتها جميع الفصائل الفلسطينية، لأن معارك التحرر الوطني توحد المجتمع للمساهمة، كلا وفق قدراته وإمكانياته، سواء كانت عسكرية أم قانونية أم غيرها.. تماما مثلما حصل في معركة تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي عندما أبهرت المقاومة العالم في شجاعتها في مواجهة العدوان، ووجدت كل الدعم من جميع مكونات الشعب اللبناني، ولي الشرف أن كنت شاهداً على ذلك.
معارك التحرير من الاحتلال تجمع ما بين مكونات الشعب، أما معارك البناء بعد الاستقلال، فتحتمل الخلافات، وهذا برأيي ضروري، حتى تناقش جميع الآراء والحلول ليحسمها الشعب في انتخابات حرة ونزيهة، كونه – أي الشعب – مصدر كل السلطات والقرار النهائي بيده هو.
الخيار العسكري الصهيوني لقيام الدولة سقط منذ زمن بعيد، فشيمون بيريز رئيس وزراء إسرائيل السابق ومهندس القنبلة الذرية، والذي يعد عميد الساسة الإسرائيليين، يقول في كتابه عن مستقبل إسرائيل الذي صدر عام 1992 «جلس موشي دايان في مكتبه ينتظر مكالمة من قادة العرب المجتمعين في الخرطوم، ليعترفوا بهزيمتهم، رافعين الراية البيضاء، إلا أنه فوجئ بلاءات الخرطوم الثلاث، فأدرك عندها أن الخيار العسكري قد سقط، ولابد من اللجوء إلى الخيار السياسي، لتكون إسرائيل جزءاً من المنطقة».
شيمون بيريز طرح قبل يومين رأياً يدعو فيه إلى اللجوء لحل سلمي وإنهاء العدوان على غزة، كضمانة أحسن لإسرائيل، كما يشجع أصحاب الرأي نفسه على المجاهرة برأيهم هذا، كما أن السيد Rudoren الذي جاء ذكره أعلاه، قد ذكر أن نتنياهو لديه التفكير نفسه.
لا نتفاءل كثيراً، لأن الفكر الصهيوني المعادي للعرب وللبشرية جمعاء متأصل في هذا المجتمع، كما ذكر الكاتب الإسرائيلي إسرائيل شاهاك في كتيبه الذي يفسر فيه لماذا اليهود مكروهون في العالم.
إلا أننا لا يمكن أن ننسى قول الشابي شاعر الثائرين، حين قال:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
هذا التفكير تعمق في العالم بعد تطوير أسلحة الدمار الشامل التي لم تعد ذرية فقط، بل أصبحت كيماوية وبيولوجية، وأيضا إلكترونية فتاكة، وبمتناول الجميع، حتى بما فيها الدول الفقيرة، وكذلك إيصالها إلى أهدافها بصواريخ متطورة عجزت الأسلحة المضادة عن تدميرها، مثلما نشاهد الآن في حرب غزة، على الرغم من الحصار الخانق المفروض عليها.
المقاومة الشعبية
ولا ننسى أن المقاومة الشعبية الجديدة اكتوت بنارها الدول الكبرى، مثلما حصل لأميركا في فيتنام وأفغانستان والشرق الأوسط والروس كذلك في أفغانستان.
والدول الأوروبية الأخرى، فهي بدورها تعيش كابوس هزائمها وجرائمها في دول العالم الثالث.
ولا يمكن أن أنهي هذا المقال من دون أن أعرج على ما تكتبه الصحف العالمية حول موقف بعض الدول العربية المخزي مما يحدث في غزة البطلة.
فمثلاً ذكر David D.Kirkrpatrick في مقال نشرته جريدة نيويورك تايمز الأميركية بتاريخ 2014/7/31، عن المبادرة المصرية لحل الأزمة، بأنها «تمَّت بالاتفاق مع أميركا وإسرائيل وبعض دول الخليج النفطية»، ويُقال إن دولا خليجية تعتبر قيام دولة فلسطينية ديمقراطية أخطر عليها من إسرائيل!
وقد تردد ذلك في بعض الكتب والمقالات والعلاقات واتصلات سرية لم تلقَ أهمية، نظرا للشكوك في مصداقيتها، أما عندما يُنشر مثل هذا الكلام في مثل هذه الجريدة المعروف عنها تأييدها لإسرائيل وحرصها على مصلحتها، فإنه يتحتم على هذه الدول المعنية أن ترد على هذا الكلام الخطير، والذي عبَّرت عنه أحياناً أقلام خليجية، ولكن تم النظر إليها كمواقف عاطفية شاذة.
نقلا عن جريدة الطليعة