
حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي
ما هو المستقبل الغامض الذي يتطلع إليه المواطن العراقي؟ وما الدور الذي ستضطلع به القوى المتناوئة في رسم مسار المستقبل السياسي للعراق؟
لا يمكن استخلاص الإجابة حتى من المتنازعين أنفسهم، فالأحداث العربية فعل عبثي ورد فعل عبثي عليه، والمنازعات هي بداية الأحداث عندنا، وتكاد تكون شبيهة بالصراعات التاريخية، وتكرارا للاعتداءات بين أبناء الملل والمذاهب الإسلامية المتصارعة مع بعضها، مبتعدةً عن المفاوضات والمباحثات والطاولات المستديرة التي يلتقي حولها الإخوة الأعداء، واللجوء للتكفير وإباحة الدماء بات أسهل الطرق لحل الخلافات.
هل تصور العراقيون يوماً أن تؤول الأمور والأحوال لما آلت إليه اليوم؟ وهل تخيلوا سيناريو أسوأ مما يجري على أرض الرافدين؟ وهل من المنطق أن يجتزأ من أرض العراق مساحات شاسعة من شماله وغربه بيد عصابة إرهابية يترأسها أبوبكر البغدادي، الذي لم يكن ليصدق نفسه لو حكم قرية نائية من هذا البلد صاحب أعرق حضارة على وجه الأرض؟
هل يصدق أن يهدد خليفة «داعش» عاصمة العراق بغداد، ويعد بفتحها، ومتى صارت بغداد غنيمة يتخاطفها من يبغى المجد والشهرة من المغامرين والأفاكين!
الخطر محدق بالشيعة والسُنة والمسيحيين والأكراد، وبكل أقلية بهذا الوطن، فلم يعد أحد يثق بأحد، ولم تصبح تميز عدوك من صديقك، والطمع والجشع يغازلان الفرقاء بلا استثناء.
الأكراد ينتظرون الفرصة السانحة للاستقلال التام بكردستان والظفر بضم كركوك لها، حيث حقول النفط، والشيعة يبغون تثبيت حكمهم الذي أضاعوه لسنين غابرة، والسُنة يندبون موقعهم بالصدارة منذ 80 عاماً، والذي فقدوه منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أما أبوبكر البغدادي، الخليفة المعلن خلافته على المسلمين كافة، فيجاهد لاقتطاع المزيد من الأراضي العراقية الغنية بالنفط أو الخصبة زراعياً، لتطبيق نظرية الخلافة الإسلامية المعششة في العقول الخاوية عند سواد المسلمين.
هل أمست أرض الرافدين عرضة للبيع وساحة لتصفية الحسابات القديمة والحديثة؟
عندما تتكالب المصائب على الشعب العراقي من كل حدب وصوب، فلا تستكثر عليه مشاعر التوهان والضياع، حتى لمن وقف على الحياد، ألم يدفع 25 ألف مسيحي الثمن في الموصل، وهم سكانها الأصليون، ألم يهجروا بملابسهم فقط – وبقية ممتلكاتهم غنيمة لعصابة «داعش» – وهم الذين لم يصطفوا مع أي طرف ضد آخر.
مهزلة أكثر من هذا كيف تكون؟
وسخرية الأقدار لم ترحم عراقياً بأي حال!
اختر أي دين أو طائفة مما بالعراق، لن تنجو من الموت الزؤام، فالذبح والتنكيل والاغتصاب لم توفر فرصة لأحد للنجاة منه.
هذه هي حال العراق، وهذا هو مصيره الزاحف إليه.
ما ذنب العراقيين، الذين وجدوا أنفسهم فخاً للمؤامرات والدسائس ومصالح أميركا وروسيا وإسرائيل وتركيا وإيران والسعودية والمزيد من الدول؟ صراع الأقطاب على حساب حرية وأمن الشعب العراقي المنكوب، والحسرة على كل عراقي فرّط بعزة وكرامة موطنه، من أجل منفعة وحاجة شخصية لن يجني منها سوى الألم والأسى طال الزمن أم قصر.
نقلا عن جريدة الطليعة