ماذا دار في اجتماعات لجنة الدستور حول إسقاط الجنسية وسحبها؟

عبداللطيف الثنيان مترئسا احدى جلسات المجلس التاسيسي

عبداللطيف الثنيان مترئسا احدى جلسات المجلس التاسيسي

لايزال الحديث حول قرارات الحكومة بشأن إسقاط الجنسية وسحبها عن عدد من المواطنين يسيطر على الشارع الكويتي، حيث دخلت مرحلة من النقاش والجدل القانوني المثير بين المختصين في هذا المجال، كلٌ يدلي بدلوه، وفق القواعد القانونية والأطر الدستورية.

وفي المقابل بدأ البعض يتساءل، وخصوصا في بعض القطاعات، عن الكيفية التي أقرّ بها نص المادة الدستورية حول الجنسية الكويتية، والتي جاءت متصدرة للباب الثالث من دستور الكويت، الذي حمل عنوان «الحقوق والواجبات العامة»، حيث أكدت المادة 27 منه، أن «الجنسية الكويتية يحددها القانون ولا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون».

 

تشكيل لجنة الدستور

ففي الجلسة السادسة، التي عُقدت بتاريخ السبت، الموافق 3 مارس 1962، أقرّ المجلس التأسيسي تشكيل لجنة الدستور، التي تألفت من 5 أعضاء، تم انتخابهم بعدما تقدم 6 أعضاء لترشيح أنفسهم لهذه اللجنة، وهم: د.أحمد الخطيب، الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، حمود الزيد الخالد، سعود العبدالعزيز العبدالرزاق، عبداللطيف ثنيان الغانم ويعقوب الحميضي.

وبدأت لجنة الدستور اجتماعاتها مباشرة بتاريخ 17 مارس 1962 نحو إعداد الدستور والانتهاء منه.

وقد ناقشت اللجنة جميع التفاصيل المتعلقة بالدستور ومكوناته وأبوابه ومواده، من خلال مناقشات مستفيضة، وحظيت مسألة «الجنسية» بمناقشات مهمة تبيّن حجم المشكلة وتداعياتها.

المرة الأولى

بدأت لجنة الدستور بمناقشة المادة المعنية اعتبارا من جلستها الثالثة التي عُقدت يوم السبت، الموافق 31 مارس 1962، والتي نصّت حينما عرضت عليها للمرة الأولى على أن «الجنسية الكويتية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها ولا سحبها إلا في حدود القانون».

وحضر الجلسة كل من: عبداللطيف ثنيان الغانم (رئيس المجلس التأسيسي)، والشيخ سعد العبدالله السالم (وزير الداخلية)، وحمود الزيد الخالد (وزير العدل)، وسعود العبدالرزاق (عضو)، ويعقوب الحميضي (عضو)، كما حضر الاجتماع الخبير القانوني المنتدب من قِبل الحكومة محسن عبدالحافظ، في حين تولى سكرتارية الجلسة الأمين العام للمجلس التأسيسي علي محمد الرضوان.

 

بدأت الجلسة بقيام الخبير القانوني بعرض نص المادة الدستورية، ثم دارت الحوارات والنقاشات التالية من واقع محضر الاجتماع:

حمود الزيد الخالد: أقترح أن ينص صراحة على كيفية إسقاط الجنسية عن الكويتيين بالولادة، فيجب أن يكون هناك نص صريح يبين كيفية ذلك، كما أنه يجب ألا تسقط الجنسية الكويتية عن الكويتي بالولادة مهما كانت الظروف.

سعد العبدالله السالم: أعترض على ذلك، لأنه يجوز الإسقاط في حدود القانون.

حمود الزيد الخالد: أعترض على النص، فجعل إسقاط الجنسية جائزاً في حدود «القانون» أمر غير صحيح، والواجب النص في الدستور على أنه لا يجوز إسقاط الجنسية، أي أن تحذف عبارة «إلا في حدود القانون».

سعد العبدالله السالم: إن القانون الكويتي الحالي ينص على جواز الإسقاط، فإذا أجرم أحد الكويتيين في حق وطنه وأمته، فهل نسمح له بأن ينتقل في بلدان العالم بجواز سفر كويتي.

حمود الزيد الخالد: إننا نخشى أن تتخذ حكومة في الكويت هذا الإجراء القانوني في سبيل سحب جنسية الكويتيين، وترمي بهم خارج الحدود دون محاكمة.

سعد العبدالله السالم: لن يتخذ شيء من هذا النوع.

حمود الزيد الخالد: إن أي حكومة، حتى لو لم يكن الشعب راضيا عنها، تسن قانونا يطلق يدها في سحب الجنسية، وإننا نريد توفير الطمأنينة للشعب وللمواطن.

 

وهنا رأت اللجنة تأجيل النظر في هذه المادة حتى يتم الاطلاع، ثم تُبحث المادة من جديد.

المرة الثانية

عادت اللجنة في اجتماعها التاسع المؤرخ بتاريخ الخميس، الموافق 31 مايو 1962، لتعيد مناقشتها من جديد، وقد حضر الجلسة ذات الأعضاء المشار إليهم سابقا، إضافة إلى الخبير الدستوري للمجلس التأسيسي عثمان خليل عثمان.

في هذه الجلسة، بدأ الأعضاء باستكمال مناقشة مواد مشروع الدستور الذي قدمه المستشار الدستوري عثمان خليل عثمان في الاجتماع السابع الذي عُقد بتاريخ 22 مايو 1962.
وفي الجلسة التاسعة تليت المادة 27 من مشروع الدستور، وكان نصها كالتالي: «الجنسية الكويتية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاط الجنسية عن كويتي بالمولد، ولا يكون سحبها ممن اكتسبها إلا في حدود القانون».

وهنا دارت المناقشات التالية:

وزير الداخلية: ليس لدينا كويتي بالمولد.

عثمان خليل: أنا في الواقع راجعت قانون الجنسية الكويتي، وفيه الكويتي بالمولد وهو الكويتي الأصلي والأساسي، وغيره يكون بالتجنيس.

وزير الداخلية: أريد أن نفسر قانون الجنسية عندنا، فإذا ولد شخص مثلا في الكويت لأب غير كويتي وأم غير كويتية، فلا يصبح المولود كويتيا بعكس قانون البحرين، فإن شخصا مثل هذا يصبح بحرانيا في هذه الحالة لمجرد ولادته في أرض البحرين.

 

عثمان خليل: قانون الجنسية في الكويت ينص على أن الشخص الكويتي الأصلي أو الأصل إما أن يولد لأب وأم كويتيين، أو لأب كويتي فقط، أم لأم كويتية فقط وأبوه غير معروف، واللقيط بمولده بأرض الكويت يصبح كويتيا، وهذا هو معنى الكويتي بالمولد، أما في غير هذه الحالات، فالمولد بأرض الكويت لا يعطى جنسيتها، فحتى لو ولد الطفل في الكويت لا يصبح كويتياً، ما لم تتوافر إحدى الحالات المذكورة التي حددها قانون الجنسية.

وزير الداخلية: الذي أقصده أننا لا نريد إعطاء الجنسية الكويتية لأي شخص يولد في الكويت لمجرد أنه ولد في الكويت.

عثمان خليل: أقترح وضع النص بالشكل الآتي: «لا يجوز إسقاط الجنسية من كويتي أصيل وفقا للقانون الجنسية، ولا يكون سحبها ممن اكتسبها إلا في حدود القانون».

ورد الجميع بعدم الموافقة، حتى لا تحدث إشكالات في التطبيق مستقبلا.

وزير العدل: نحن في بلد أبناؤه أقل بكثير من الأجانب، وليس هناك بلد في العالم مثل ظروفنا.

عثمان خليل: أقترح أن يكون النص بالشكل الآتي حلا للإشكال: «ولا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون».

وهنا وافق جميع أعضاء اللجنة عليها.

المرة الثالثة

في الجلسة رقم 13 للجنة الدستور التي أقيمت بتاريخ السبت 16 يونيو 1962، بدأ الأعضاء بالمناقشات النهائية لمسودة الدستور.

قرأ الخبير الدستوري عثمان خليل المادة 27 من مشروع الدستور لاستيضاح قصد اللجنة من عبارة «لا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها ممن اكتسبها إلا في حدود القانون»، فهل تقصد اللجنة أن الإسقاط جائز بالنسبة للكويتي الأصيل أم أن الإسقاط والسحب لا؟

وزير العدل: الكويتي الأساس، أي الذي اكتسب الجنسية بالمولد لا يجوز سحب الجنسية منه، هذا رأيي، وسبق أن أبديته.

وزير الداخلية: أنا أعارض ذلك، فهل هذا الكويتي الأصيل يخون بلده ويبقى لجنسيتها ويحمل جواز سفر منها، ويجوب في العالم متآمرا على دولته ولا نستطيع إسقاط الجنسية عنه؟

وزير العدل: تستطيع دولته إجباره على الحضور لها، إذا هي لم تجدد له جواز سفره، ولن تقبله أي دولة أجنبية إذا انتهى جواز سفره، فبذلك سيضطر للرجوع إلى بلده.

وزير الداخلية: إذا نحن منعنا إسقاط الجنسية عنه، ماذا سيكون الوضع إذا تجنس بجنسية دولة أخرى، هل سيحصل على جنسية دولتين في نفس الوقت؟

يعقوب الحميضي: ما الحل إذا سحبت الجنسية من كويتي بالمولد وهو موجود في الكويت، أين سنرمي هذا المواطن وأي دولة ستقبله إذا لم يقبله بلده؟

عثمان خليل: أقترح أن نغير هذه المادة بحذف عبارة «ممن اكتسبها» التي أثارت اللبس، ونترك تحديد من يحق للدولة سحب الجنسية أو إسقاطها منه للقانون.

وتمَّت الموافقة على حذف عبارة «ممن اكتسبها» من المادة.

وناقش المجلس التأسيسي بدوره منذ جلسته التاسعة عشرة التي عقدت بتاريخ 11 سبتمبر 1962 مشروع مسودة الدستور، في كل جزء تنهيه لجنة الدستور، ووافق على نص المادة 27 من الدستور بنصها: «الجنسية الكويتية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون».

 

نقلا عن جريدة الطليعة