عبد الله النيباري : غزة.. تفاعل دولي وانحسار عربي

عبدالله النيباري نائب سابق

عبدالله النيباري
نائب سابق

خصصت مجلة الإيكونومست (Economist) البريطانية الرصينة في عددها الصادر في الثاني من أغسطس الجاري أربع صفحات كاملة تضمنت 3870 كلمة، منها صفحة كاملة افتتاحيتها الرئيسية بعنوان «ربح المعركة وخسارة الحرب»، وكان مضمون التغطية الواسعة أن إسرائيل بما تملكه من قوة نارية مهولة، واصطفاف شعبي مؤيد للحرب، ودعم صامد من الكونغرس الأميركي، قد تكون قادرة على تحقيق نصر عسكري بتدمير غزة وشعبها، ولكنها ستواجه صعوبة في حرب كسب الرأي العام العالمي لصالحها، فالوضع الآن مختلف عما كان عليه في النصف الثاني من القرن الماضي، عندما كانت دولة وليدة.

وفيما تتصاعد خسائر الحرب في غزة ترتفع الأصداء في أوروبا بشعارات «الموت لليهود»، التي يرفعها بها بعض المحتجين، فيما تبرير إسرائيل بأنها تستهدف تدمير الأنفاق، التي تنطلق منها حماس لمهاجمة إسرائيل، لا يقنع من يرى القصف يطال البنية التحتية المدنية، كمحطة الكهرباء الوحيدة والمساكن والمدارس والمستشفيات وقتل المدنيين، ثلثهم من الأطفال.

فانطلقت المظاهرات من بلجيكا إلى بولندا تهتف ون. تو. ثري، فور 1٫2٫3٫4 أوكيوبيشن نو مور (لا للاحتلال).

وتعرضت المعابد اليهودية في فرنسا للهجوم، وفي أوسلو اضطر المتحف اليهودي للإغلاق.

تقول «الايكونومست»: إن الكراهية لإسرائيل أكثر من صيحات احتجاج ما جعل الكثير من الإسرائيليين يرون أنهم لا يستطيعون الاعتماد على الرأي العام الأوروبي وإلى حد أقل حتى في أميركا، فحين تطغى مشاعر الرأي العام فإن السياسيين الديمقراطيين سيتأثرون.

انتقاد واسع

وتشير المجلة إلى استطلاع أجرته محطة BBC أجري في يونيو، قبل حرب غزة، وغطى 23 دولة لترتيب الدول، جيدة أو رديئة، جاء ترتيب إسرائيل في المرتبة 14 من 17 بعد روسيا، ومتفوقة فقط على كوريا الشمالية وباكستان وإيران، وأن الإجابات السلبية تعادل ضعف الإجابات الإيجابية لصالح إسرائيل.

ما يخيف إسرائيل هو اتساع رقعة الطعن في شرعيتها (Deligitimisation)، ويرى الباحثون الإسرائيليون في المعهد اليهودي لبحوث السياسات أن ذلك يمثل خطراً استراتيجياً، وترى جمعية محاربة التشهير اليهودية، فيما يتعلق بانتشار العداء للسامية، أن من يعادون السامية في أوروبا الشرقية 34 في المائة، وفي أوروبا الغربية 24 في المائة، ويفسر اليهود ذلك بأن الانتقاد لإسرائيل ما هو إلا قناع يغطي هذا العداء للسامية.

وترى “الإيكونومست” أن الموقف الانتقادي لإسرائيل أخذ في الاتساع حتى في أميركا، حيث لا يزال الرأي العام مؤيداً لإسرائيل، إلا أن قطاع الشباب يميلون لانتقادها، فعندما هاجم ناتنياهو جون كيري، وزير خارجية أميركا، متهماً إياه بتبني اقتراح للهدنة لصالح حماس أثار تساؤلات سلبية حول حقيقة مواقف إسرائيل، كما أن استطلاعات الرأي التي أجراها معهد جالوب أشارت نتائجه إلى ميل الشباب لتحميل إسرائيل مسؤولية الحرب في غزة وليس حماس.. وهو ما يشير إلى الفجوة السنية، فالجيل الجديد لا يرى ما كان عليه الوضع في القرن الماضي من أن العرب حلفاء للروس، وأنهم يرون أن إسرائيل ليست المهددة فهي الأقوى عسكريا.

يضاف إلى ذلك نمو القوى السياسية اليمينية والدينية في المجتمع الإسرائيلي، وترى “الإيكونومست” أن على إسرائيل أن تستمع لمنتقديها، فالوقت في غير صالحها، وعدم التوصل إلى حل الدولتين سيعني أحد بديلين: إما احتلال دائم للضفة الغربية من دون حقوق ديمقراطية للفلسطينيين، أي دولة تمييز عنصري (أبارتيد)، أو خيار ديمقراطي، وهذا قد يؤدي إلى أن يكون العرب الفلسطينيون الأغلبية واليهود هم الأقلية، مما يهدم حلم الصهيونية في إقامة دولة يهودية.

ردود الأفعال على الساحة الدولية لم تكن لصالح إسرائيل، ففيما عدا الموقف الأميركي، الذي كان يردده أوباما بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وتزويدها بالسلاح أثناء الهجوم على غزة، وموافقة الكونغرس على تقديم مساعدة مالية 225 مليون دولار، فيما عدا ذلك كانت مواقف الدول الأخرى وجماهيرها مختلفة.

أحد العوامل الرئيسية لتوقف هجوم الكيان الصهيوني على غزة قد يكون الضغط الشعبي الدولي بالنظر لاستنكار العالم للهجوم الشرس، الذي كان معظم ضحاياه 1900 شهيد و9000 جريح، ثلثهم أطفال، والقصف الذي شنته إسرائيل كان موجها لأهداف مدنية كالمساكن (4000) والمدارس والمستشفيات، وجعلت من غزة خراباً يباباً.

ومع ذلك، لم تكن هذه الحرب نزهة لإسرائيل، فقد بلغ عدد قتلاهم 67 عسكرياً وأربعة مدنيين، واحد منهم تايلندي.

لكن ردود الفعل العالمية بإدانة الحرب على غزة كانت واسعة، فقد أدانت بشدة استخدام القصف الجوي والبري غير المتكافئ والبالغ العنف والقسوة، فجاءت الإدانة من أوساط عالمية كثيرة على رأسها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي وصف قصف مدارس وكالة القوة (الأونروا)، التي يلجأ إليها السكان الذين قصفت منازلهم، بأنه عمل إجرامي وفضيحة أخلاقية، وقال إن المسؤولين عن هذا العمل يجب أن يحاسبوا، وقد سبقته عضو مجلس حقوق الإنسان نافي بلاي بأن الهجوم قد استهدف المدنيين، وأنه خرق للقانون الدولي. كذلك انتقد الرئيس الفرنسي هولاند بقوة العمليات الاسرائيلية في غزة، ودعا إلى اتخاذ إجراءات لوقف ما وصفه بالمذابح. ومن جانبه، قال وزير الخارجية الفرنسية إنه يتعين على المجتمع الدولي فرض حل سياسي لإنهاء الصراع بين إسرائيل وحماس، وأن إسرائيل لا تملك مبررات وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها جرائم .

وفي بريطانيا، وجه أعضاء في مجلس العموم انتقادات لموقف رئيس الوزراء كاميرون، وطالبوا الحكومة باتخاذ موقف جاد لمحاسبة إسرائيل على الأعمال البشعة غير الانسانية، وانتقد زعيم المعارضة ميليباند موقف رئيس الوزراء كاميرون لرفضه اتخاذ موقف قوي باستنكار الهجوم الإسرائيلي. وكان الموقف الرائع للوزيرة البريطانية سعيدة وارسي، حيث أعلنت استقالتها، لأنه لم يعد بوسعها تأييد سياسة حكومة “لا يمكن الدفاع عنها أخلاقياً” بشأن الحرب في قطاع غزة، على حد قولها، كما أن عضو حزب الأحرار بليبجيت (plebgate) أيد طلب الوزيرة المستقيلة بإيقاف بيع الأسلحة لإسرائيل.

رد الفعل الشعبي العالمي

إن من تابع المظاهرات الشعبية، التي اجتاحت العالم، لا بد أن يندهش من اتساع رقعتها في كل قارات الأرض، بل في كل مدينة، وبلغ عددها أكثر من 150 مدينة اجتاحتها المظاهرات، من تشيلي غربا الى الصين (تايوان)، ومن ايسلاندا شمالاً حتى كيب تاون في جنوب أفريقيا.

وتظاهرت في الولايات المتحدة أكثر من 33 مدينة، وفي بريطانيا 10 مدن، وكندا 8 مدن، وألمانيا 7 مدن، وفرنسا 8 مدن، وإيرلندا 9 مدن، حتى المالديف انطلقت فيها المظاهرات.

في بريطاينا بلغ حجم المظاهرة في لندن 150 ألفاً، وبلغت التبرعات التي قادت حملتها 13 منظمة من منظمات المجتمع المدني 4٫5 مليون جنيه إسترليني في أول 24 ساعة.

هذا الزخم العالمي في التعاطف والتأييد مع القضية الفلسطينية واستنكار العدوان على غزة يضيء الأفق للعرب والفلسطينيين بالتحرك لاستثمار هذا المناخ في مواجهة عنجهية إسرائيل، وهذا يتطلب استراتيجية بديلة توظف فيها كل قدرات العرب ولا أقصد السلاح أو السلاح فقط.

نقلا عن جريدة الطليعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*