حبيب السنافي : داعش (2)

حبيب السنافي عضو المكتب السياسي

حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي

هل يمكن أن يتعظ العرب والمسلمون مما يجري بأرض الرافدين، ومتى يفيق هؤلاء من حالة الضياع الحضاري والأخلاقي التي يتمرغون فيها، فيما بقية الشعوب بالأقاصي تتهادى، بعيداً، متنعمة بالسلام والأمان والرقي.

حالة العداء والاقتتال بين الأنظمة العربية لم يعهد لها تاريخنا مثيلاً، فروح الخصومة والضغينة لا تغفلها العين، سواء بين الأنظمة الحاكمة أو الفرق الإسلامية وميليشياتها العسكرية، وحالة التربص يمكن الشعور بها، وكأن كل نظام عربي يريد أن يحتفظ بعزبته نأياً بها عن الآخر، ونهب ثرواتها والتنعم بها والاستفراد برعاياهم، وكأن القدر هذا هو مصير هؤلاء المساكين المبتلين بحكامهم.

لكن هذه الأوضاع المأساوية لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليها، فحالة عدم الاستقرار شبيهة بحالة مخاض عسير قد يفجر الأوضاع الإنسانية لشعوب المنطقة العربية في أي ساعة، ويعمقها، بؤساً وتردياً، فمن غير المقبول أن يستمر نزيف الدماء وسط الخريطة العربية والعالم يشهد بتندر مسرحية «الإخوة الأعداء» الذين يسعى كل منهم بحماسة لإفناء الطرف الآخر، بحجج واهية لا يستقيم معها منطق العقلاء.

حالة الصراع الدموي أدَّت لبروز نمط غريب وشاذ من الميليشيات «الإسلامية» لا تعرف سوى تطبيق اجتهادها المتطرف الذي لا يفقه سوى السيف لجز الرؤوس والإجهاز على الجرحى والتمثيل بالجثث وصلب الأحياء والأموات ورجم النساء – ولا أعرف لم لا يرجم الرجال- كما ارتكبوه بمدينة الرقة السورية والمطالبة بفرض الختان على النساء، وبعد ذاك تفتي بأن قتال اليهود ليس من أولوياتها، وإنما غايتها الفتك بالروافض وطرد المسيحيين من ديار المسلمين.

الغريب أننا لم نسمع أو نشاهد أياً من مدعي العلم الإلهي من يفسر أو يحلل أسباب ظهور هذا التطرف الشيطاني، ويفند الأفكار والأقوال التي استندوا إليها لتنفيذ جرائمهم، أو يبين دوافع هذا العد الهائل من القتلة والمرتزقة «الإسلاميين» ممن التحق بـ»داعش» وأخواتها، وجلهم من الشباب الحاصل بعضهم على شهادات علمية مرموقة.

لماذا يصمت هؤلاء «العلماء» والدعاة إزاء هذه الفضائع والمجازر، أم أنهم ينتظرون الأوامر والتوجيهات من القادة السياسيين، ليتآمر الاثنان على مصير الملايين من سذج العرب وعامتهم.

المصيبة أن العراقيين أنفسهم أضحوا أسرى لهذا الفكر الهمجي، فحتى البعثيون ممن تحالف مع «داعش» أمروا للتوجه للمساجد للإعلان عن توبتهم من البعث والتبرؤ منه، مع مبايعتهم لأبي بكر البغدادي كخليفة للمسلمين، بالإضافة لتعزيزهم بـ ٦٠ جلدة، ومن يرفض، فستتم تصفيته وإباحة دمه!

نهاية الحديث، العرب أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاغتراف من الفكر السياسي الغربي وأعني العلمانية وتطبيق الديمقراطية ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة، وإما استمرار التناحر والفتك في ما بينهم على حلبة الطائفية والعنصرية، فيما العالم يتفرج بسخرية نستحقها بلا شك!

نقلا عن جريدة الطليعة