
حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي
لطالما اطلعنا في طويات تاريخنا عن فظائع ارتكبتها فرق وعصابات متناحرة – في مناطقنا العربية- تتضمن جز الرقاب بدم بارد والصلب والتمثيل بالجثث، ولم تكن ذهنياتنا لتتصور وقوع هذه الجرائم بهذه الشاكلة، والتي قد نشك بوقوعها لمبالغات وتهويلات المؤرخين عمداً لتشويه سمعة بعض الأحزاب والقوى المتخاصمة، لكن ما نعاينه الآن بما يجري في العراق وسوريا موثقاً بالكاميرات لجرائم وفظاعات ترتكبها عصابات «داعش»، يجعلنا نردد ما أشبه اليوم بالبارحة، فتنظيم «داعش» اتخذ من غدر وشراسة وهمجية المغول والبرابرة أسوة له، ولم يدخر أي حقد وكراهية وضغينة لكل من يخالفه، وحتى لحلفائه من جبهة النصرة والبعثيين والنقشبنديين وثوار العشائر.
من أين استمد هؤلاء (نذر الموت) ذوو الرايات والملابس السوداء أفكارهم الشيطانية؟ ومن أي كتاب أو مستدرك؟ ومَن هم قادتهم الروحانيون، وأئمتهم «اللادينيون» ومفتوهم لإباحة الدماء والدمار والهلاك لكل القيم الإنسانية ومعاني الحياة الغضة؟ ولماذا تحرص هذه العصابة على إخفاء سحناتها المخيفة إذا كانت تعتقد بأن ما تقوم به من مصائب هو لوجه الله، ولماذا لا يكشفون عن ملامحهم ووجوههم الشيطانية، أم أنهم يخشون ساعة الحساب وحكم القانون العادل أن يُطْبق على رقابهم؟
ثم مَن بذر في صدور هؤلاء الأبالسة هذا الوازع من البغض والمقت والتحامل على مَن يخالفهم، وتعاملهم مع خصومهم كتعامل السباع الضارية مع فريستها، إن لم يكن أشنع؟ فالرحمة والرأفة لا توفران حتى للنساء أو الصغار أو الأسرى، فالكل مهدد بالسبي والنحر والإجهاز عليه لحظة الأسر، وهؤلاء المجرمون لا يعرفون للجنة سبيلاً، سوى التكفير والجهاد وإقامة «الحدود الشرعية»، بلا محاكم أو منح فرصة للدفاع عن النفس.
ألا يحق لنا أن نتساءل أين رجال الدين من كل الطوائف المسلمة؟
ولم لا يجتمعون معا ويشجبون ويستنكرون أهوال ومآسي «داعش»؟ ولم لا يفتي هؤلاء «العلماء» بحرمة الاعتداء على الأقليات الدينية وغير الدينية، لحقن دمائهم وصون أعراضهم وممتلكاتهم وهم يعاينون ما يتعرّض له هؤلاء المظلومون من شنائع ومجازر باسم الإسلام وأحكامه؟ أين الوحدة والإخاء الإنساني؟ وهل دينهم لعق على ألسنتهم فقط عندما تتعرّض مصالحهم للضياع؟
الطامة الكبرى، وخصوصاً أننا مهددون بالكويت من قِبل «داعش»، أن هناك مَن يؤيدهم ويدعمهم مادياً من رعايا الدول الخليجية، وحتى من الكويت، وبما يشبه التواطؤ، حتى وصلت الأمور ليتهمنا مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب ديفيد كوهين، بأن الكويت هي بؤرة لجمع الأموال للجماعات الإرهابية، وأن دولة قطر «بيئة متساهلة مع التمويل الإرهابي».
نحن حتى الآن لم نأخذ الأحداث والخطر المحدق بنا على محمل الجد، والقول المأثور يذكرنا «من حلقت لحية جار له، فليسكب الماء على لحيته».
نقلا عن جريدة الطليعة