
حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي
من الميؤوس منه تقدم الشعوب العربية وتطورها وهي تمر بهذا المحيط من التزييف والتزوير اللامحدود لأوضاعها وأحوالها.
وماذا نأمل من نخبة المثقفين والمفكرين وأساتذة الجامعات أن يقدّموا لشعوبهم، وهم بذاتهم ملوثون بمصادر معرفة تراثية متخمة بالشوائب والخطايا، محصورة بين الأفكار المنحرفة والسلوكيات الممقوتة؟ ومع هذا يتفاعل معها بعض المثقفين والمفكرين ورجال الدين بعقليات متحجرة، تتقبل الماضي برمته بمصداقية ساذجة، ومظاهر خادعة، من دون عرض شخصيات وأحداث ووقائع التاريخ على ميزان النقد والتمحيص، ومن دون الشك في الحقائق الغائبة عن تاريخنا القديم والمعاصر، والذي يعوزه من يتكفل بتصفيته من مخلفات الخداع والكذب والتمويه، ومن يطهره من دنس وموبقات الديكتاتوريات الدينية والدنيوية التي سادت على مجتمعاتها وسامتها البؤس والضيم معا.
التزوير والتزييف الفكري عندما يتغلغل في ثقافة المجتمع، فإنه حتما سيزيف الوعي الفردي، وصولا للوعي المجتمعي، وهذا بالضبط ما تسعى إليه السلطات العربية دائما، وعلى امتداد وطننا العربي.. تريد تغييب الوعي وعكس الوقائع وتجهيل الأفراد وتزييف الأحداث، حتى لا يتفاعل معها المجتمع إيجابا.
لنأخذ مثالا على ذلك، فثورات الربيع العربية «انفل» عقالها، وهدر بركانها، بعد معانات هائلة من الاضطهاد والكبت لحريات شعوبها، وهدر حقوقه الإنسانية، وحقه بأن يحكم ويتحكم نفسه بنفسه، فكيف تآمرت الأنظمة الطاغية؟
أوعزت لآلتها الإعلامية باستكمال عمليات التزوير والدجل والتزييف اليومية التي تقوم بها، فأظهرت مطالب الثوار الأحرار بالتعجيزية، وبأنهم قُطاع طرق وفوضويون، وهدفهم الإخلال بالأمن والنهب، وشوَّهت صورتهم أمام الرأي العام، حتى أصبح المجني عليهم جناة، وتلبستهم التهم، وعاداهم المجتمع.
هكذا، بدت الصورة قاتمة في مصر وسوريا واليمن والبحرين والعراق.. مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية انقلبت وتشوَّهت وزيفت عمداً من قِبل السلطات الجائرة وأحزابها وداعميها من أصحاب رؤوس الأموال.
لقد تم توجيه واستمالة رأي عام الأغلبية، للوقوف بجانب السلطة، بعد أن تم تدجينها للقبول بالأمر الواقع، وبعد أن استغلت كل الثغرات الفاسدة من ثقافتنا للخضوع للحاكم، مهما استبد وتكبَّر وتجبَّر، وبعد أن مهدت التربية السلبية والتعليم القاصر والثقافة التاريخية وعمليات التمويه والتجنيد العقلي والنفسي الطاغية على العقول منذ نعومة الأظافر، للتأثير على الأحكام والآراء التي سيطلقها الشعب ضد المنتفضين والمتمردين على الأنظمة العربية الفاسدة.
الحرية لم تكن يوما جزءا أساسيا من سلوك حياتنا اليومية، ولم نمارس الحرية أو نتذوق طعمها لندرك قيمتها، فكيف لشعوبنا أن تطالب بها، وقد تم خداعها، فكريا وثقافيا ودينيا وحقوقيا، ثم ندعي أن الشعوب قبلت بواقعها التعيس.
الشعوب العربية تم سلب حرية إرادتها بتواطؤ مثقفين مزورين ومروجي فتاوى، مع حكام ضالين مضلين، زوروا كل مظاهر الحياة العامة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، للتأثير على قدرة الشعوب بالتحرر من جلاديها.