حبيب السنافي : خدعة الأنظمة

حبيب السنافي عضو المكتب السياسي

حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي

في كل يوم تستغل السياسة لعبتها وخديعتها، وتبتكر أساليب جديدة ومتطورة لخداع العامة وإلهائها، فالولاء للأنظمة هو الدارج والمختزل لولاء الوطن، ويشمل الولاء للتاريخ الرابط المتحكم بواقعنا وإن كان هذا التاريخ فاسداً، فعليه معيار الولاء والإخلاص، من دون حق للمواطن بتحري الماضي ونقده واستجلاء حقائقه المغيبة.

وعندما يتبوأ أي نظام عربي السلطة، من خلال الفتك والقهر والغلبة، فعلى المواطن العربي القبول به، كالقدر المحتوم، ولا حق له في الاعتراض على جرائمه.. لماذا هذا الرضوخ والانصياع؟

لأنه تم تدجين الشعوب، من خلال التربية الأسرية والمشاعر المجتمعية التي تحث على الطاعة والانقياد، من دون حق النقاش، وهذا ما تحاول شريحة الشباب العربي أن تتمرَّد عليه وتنكره، بما لديها من عزيمة وإرادة وأمل في التحرر من أغلال العبودية وأوهامها.

السلطات الحاكمة مع زبانيتها تستميت، لإيجاد حائط صد فكري مبني من الثقافة السلفية المنحوتة من العادات والتقاليد ونمط ديني رث، ضد أي بادرة للتنوير الفكري والثقافي يوقف النزيف الأخلاقي والسلوكي عند عامة الشعب، ولإبقاء المواطن ينوء بثقل السيطرة والتحكم والتوجيه بمختلف أساليبها الماكرة، لضمان سريان اختلاساتها المادية وامتيازاتها الاجتماعية على رأس الهرم الاجتماعي والسياسي.

صحيح أن الأنظمة العربية لديها مؤسسات وهيئات تدير المجتمع وتقصي مصالحه، لكن الصواب أيضاً أن هذه الإدارات المدنية غرضها خدمة الطبقة الحاكمة والجاثمة على صدر المجتمع، وتم التعمد بإفساد هذه المؤسسات، بإفساد إداراتها وقياداتها، ارتشاءً واختلاساً.. وليتهرب النظام من جرائمه وموبقاته بعذر فساد هذه الإدارات، ولينأى بنفسه عن الاتهامات والتجاوزات والشكاوى والدعاوى الموجهة إليه.

التزوير والتزوير هو الحل السحري والناجع للأنظمة من أجل الاستمرار في تنفسها وبقائها على دكة السلطة.

لاحظ مثالاً على ذلك قضية الانتخابات في كل أرجاء الأوطان العربية، يتم تزويرها والتلاعب بآلياتها والتدخل بتوجيه إرادة ورغبة الناخبين، وصولاً لنتائج ترضي أطراف السلطة، مع التأثير – في أغلب الأحيان- على أحكام القضاء وقرارات المجالس المنتخبة، مع دعم ومساندة الإعلام الموجه لكل المسائل التي ترفع وتعلي من شأن الأنظمة على حساب المواطن المغلوب على أمره.

التزوير والافتراء والتدليس يبدأ بالأوطان العربية من تزوير التاريخ ومعاني الدين ومُثُله وغايات الفنون والآداب، وصولاً للتربية والعادات والتقاليد وكل مفردات الحياة اليومية، كل ذلك لكي يتوه المجتمع ويفقد قدرته وتضعف إمكانياته في التصدي لممارسات السلطة وجبروتها، والسلطة لن تباد، ما لم تسترجع الشعوب العربية وعيها المغيب عنها منذ قرون خلت.

نقلا عن جريدة الطليعة