أكد المشاركون في الندوة التي ناقشت الاتفاقية الأمنية، ضمن سلسلة «حماية الدستور مسؤولية الجميع»، التي أقيمت بمقر الدائرة الرابعة للمنبر الديمقراطي، رفضهم كل أنواع المساس أو العصف بأي من مواد الدستور، متعهدين بالتحرُّك والتصدي لأي محاولة للتعدي على الدستور.
وشدد المشاركون، وهم: النائب السابق علي الدقباسي، المحامي عبدالله الأحمد، الناشط السياسي أنور جمعة، وأمين عام المنبر بندر الخيران، على أنه من الجميل أن تكون لنا منظومة أمنية تحمي شعوبنا الخليجية، لكن ما يُقال عن أن تلك الاتفاقية هي حماية للأنظمة، ما يدفعنا إلى التحرُّك للإجابة عن الأسئلة الغامضة التي تحملها بعض مواد الاتفاقية.
وتمسَّك الحضور برفضهم القاطع لتلك الاتفاقية التي وقعتها الكويت أخيراً، مؤكدين أن كبت الحريات الشخصية ووأد عدد من مواد الدستور لا يمكن أن يسمح به الشعب الكويتي، والذي تختلف ظروفه وطبيعته مع المجتمعات الخليجية الأخرى، مطالبين جميع القوى السياسية بضرورة التكاتف معاً لرفض تلك الاتفاقية، على غرار نجاح القوى السياسية في التصدّي للمشروع الحكومي للإعلام الموحد.
في البداية، أكد المحامي عبدالله الأحمد أن الاتفاقية الأمنية ما هي إلا حماية للأنظمة الحاكمة، وليست لحماية الشعوب في دول مجلس التعاون الخليجي، مضيفا أنه «كثر اللغط حول هذه الاتفاقية، وهناك عدة ملاحظات وتحفظات عليها».
وأشار إلى أن تلك الاتفاقية تاريخيا كانت بمنزلة رؤية مقدمة من دولة البحرين، وتعبّر عن ظروفها وطبيعة أحداث الاضطرابات التي قامت فيها، وتبنتها في ما بعد المملكة العربية السعودية، ولا تعبّر هذه الاتفاقية بالضرورة عن ظروف الكويت، كما أنها لا تتناسب مع ظروفها الخاصة.
وذكر الأحمد أن الاتفاقية حددت ثلاث نقاط، هي الانتقال من التعاون إلى الاتحاد الخليجي، وهذا البند عليه تحفظ كبير، علاوة على التعامل مع الملف الطائفي كأنه ملف إرهاب، فلكل دولة نموذجها وطريقتها الخاصة في التعامل مع الطوائف التي تعيش فيها، بالإضافة إلى العمل بشكل سريع على إقرار تلك الاتفاقية.
وأوضح أن الخليج عمق إستراتيجي للكويت، لكن تلك الاتفاقية بهذا الشكل الأخير لا تتناسب مع مصلحة الكويت ومصلحة مواطنيها، فمن المعروف أن أي اتفاقية أمنية لا بد أن تصاغ طبقا لمصلحة شعوبها.
واختتم «نريد اتفاقية أمنية لتحقيق الأمن، ولكن ليس لحساب الأنظمة وعلى حساب الشعوب.. لذلك، فإن هذه الاتفاقية غير سليمة وساقطة وأهدافها ليست لحماية الشعوب، ولا نحتاج في الكويت لهذه الاتفاقية بمثل تلك النصوص التي وردت بها».
تعارض مع الدستور
من جهته، قال النائب السابق علي الدقباسي إن الاتفاقية الأمنية تتعارض مع مبادئ الحريات التي كفلها لنا الدستور الكويتي، مشيرا إلى أن الحريات تأتي في مقدمة المبادئ التي يقسم عليها النائب أثناء بداية عمله البرلماني، حيث يقسم عن الذود أولا عن الحريات، ثم مصالح الشعب وأمواله.
وأوضح أن بعض مواد الاتفاقية عليها تحفظ وتتعارض مع طبيعة الشعب الكويتي ومصلحته العامة، لافتا إلى أن هذه الاتفاقية تذكره بالاتفاقية العربية لمكافحة الأرهاب، والتي تم رفضها من قِبل البرلمان العربي أثناء عضويته فيه.
وأشار إلى أن عصر العمل السياسي الفردي انتهى، متابعا «نحن الآن في عصر التنظيم والعمل السياسي الجماعي المنظم»، داعيا كل القوى السياسية في الكويت إلى التكاتف والتآزر، لأجل حماية الدستور، فحماية الدستور مسؤولية الجميع.
وطالب بتعديل الدستور بالتوافق، لمزيد من الحريات، ولتحقيق مزيد من المكتسبات الشعبية، وصولا إلى تحقيق الحكومة البرلمانية المنتخبة، وإيجاد حلول للمشاكل العالقة.
ودعا الدقباسي جميع أفراد الشعب والقوى السياسية والمواطنين إلى ضرورة التكاتف لأجل مصلحة الكويت، مؤكدا أن الشعب الكويتي عبَّر عن رفضه الشديد للتعدي على الدستور، بمقاطعته الانتخابات البرلمانية الماضية (انتخابات مجلس الصوت الواحد)، حيث قاطع الانتخابات نحو 70 في المائة من المواطنين، مع كامل الاحترام لمن أيَّد تلك الانتخابات وشارك فيها.
ورأى أنه لا يجوز تنفيذ هذه الاتفاقية إلا بقانون، مضيفا «نحن بحاجة إلى حكومة برلمانية ومزيد من الحريات، وبحاجة إلى اتفاقيات تخدم مصالح الكويت وتخدم الشعب الكويتي وتخدم أمن بلدنا، ولن يحدث ذلك إلا من خلال برلمان وطني لتقديم الدعم الكامل لتحقيق مصالح الكويت»، لافتا إلى أن الحديث عن الاتفاقية الأمنية من دون عمل ملموس مضيعة للوقت.
وزاد «نريد حلا من خلال توافق جميع القوى السياسية لرفض تلك الاتفاقيات، ورفض أي تعديات على الدستور»، مشيرا إلى أنه قبل تعديل النظام الانتخابي، حضر ندوة للمنبر الديمقراطي، قال فيها د.أحمد الخطيب «الكويت كلها ساحة إرادة للدفاع عن الدستور ومكتسبات الديمقراطية، وهذا ما نتفق عليه جميعا، لذلك، فإنه إذا لم يكن هناك توافق من الجميع ستبقى المشاكل من دون حلول وسندور في حلقة مفرغة».
واستطرد «لقد تم حل مجالس 2006 و2008 و2009 و2012 المبطل، وتم تغيير حكومات عديدة، فهناك حكومة لم تمكث في عملها سوى 56 يوما، وحكومة أخرى لم تبق سوى شهرين، وثالثة لم تستمر إلا ثلاثة أشهر، فهل من المنطق الحديث عن صياغة تشريعات وتنفيذ مشاريع تنموية عملاقة في ظل عدم الاستقرار السياسي في الكويت في هذه الفترة؟».
وذكر الدقباسي «نحن لسنا ضد المصلحة العامة، ولا بد من إيجاد اتفاقية أمنية لتعزيز أمننا، وذلك بما يتوافق مع دستور 1962»، لافتا إلى أن هناك تحفظات عدة على بعض بنود الاتفاقية الأمنية التي وقعت عليها الكويت، وهي بنود مرفوضة، ولا تتناسب مع ظروف الكويت ومصلحة مواطنيها وطبيعة شعبها.
واختتم بقوله «الكويت بحاجة للتضامن بشأن حماية دستور 62 الذي يُعد مفخرة عظيمة للكويتيين جميعا أمام العالم أجمع. إن دستورنا يضمن الحريات ويحافظ على المشاركة الشعبية، ومن جانبنا في التكتل الشعبي نرفض خوض الانتخابات البرلمانية، ما لم يتم تعديل النظام الانتخابي وإعادة النظر في قانون 42/2006، نريدها خمس دوائر لمزيد من الحريات وتعزيزها، كما نريد حكومة برلمانية لتحقيق أجندة وطنية يتوافق عليها الجميع لأجل حماية الدستور وتعزيز مكتسبات الديمقراطية».
لغة التخوين
في السياق ذاته، قال الناشط السياسي أنور جمعة إن القضية تمس التعامل الأمني، ويجب أن تكون في مصلحة الكويت، وألا تتعارض مع تحقيق الأمن لمواطنيها وشعبها، مشيرا إلى أن الحكومة الكويتية رفضت اتفاقية أمنية في العام 1994 وأخرى العام 2004، وامتنعت عن التوقيع عليها، بسبب تعارضها مع الدستور الكويتي، وجاءت اتفاقية 2012 ووافقت الكويت على التوقيع عليها، وذلك بهدف انشغال المعارضة برؤوس عناوين إصلاح لم تكتمل، حتى صارت لغة التخوين هي السائدة.
وأضاف جمعة «من الأسباب الأخرى التي جعلت الكويت تقوم بالتوقيع على تلك الاتفاقية، أن مجلس الأمة الحالي لا يملك التصدي لمثل هذه المخالفات الموجودة بالاتفاقية»، موضحا أن أهم الأسباب الأخرى التي جعلت الكويت توقع على هذه الاتفاقية، هو رفض عدد من القيادات الأمنية التعسف الأمني مع الشارع».
وقال في هذا الصدد «هذا أمر ليس بغريب على رجال الشرطة الكويتية، ودائما نجد بالكويت شرفاء يؤمنون بأنهم مواطنون قبل أن يكونوا موظفين أو مسؤولين».
وتابع «ما يحدث بالكويت ليس صدفة، ولكنه نظام ممنهج بدأ بتفريغ مجلس الوزراء وجعل الوزراء موظفين عند رئيس الوزراء، وبدأنا نفقد الأمل في الوزراء، حتى لو كان عندهم بعض الكفاءة، وكذلك هناك تفريغ للمؤسسة التشريعية من محتواها، وكذلك هناك تجميد لقانون الصحافة، علاوة على التضييق على المواطنين من الناحية الأمنية، من خلال تلك الاتفاقية، كل هذا يُعد تكبيلا للحريات التي كفلها الدستور الكويتي للمواطنين».
واستدرك «رفضنا للاتفاقية الأمنية ليس كرها أو عدم احترام للدول الأخرى، لنكن صريحين، الكويت مختلفة، فقضايانا السياسية سقفها مرتفع في الكويت عن بقية الدول المجاورة، لأن الشعب الكويتي جُبل على المشاركة في صُنع القرار، ويملك ثقافة الديمقراطية القائمة على التوجيه والمراقبة والاعتراض، وإن كان هناك خطأ ما يخرج الشعب للاعتراض على هذا الخطأ بشكل سلمي، وهذا غير موجود في الدول المجاورة»، متسائلا «كيف نوقع على اتفاقية لا تتناسب وظروف المجتمع الكويتي».
وأوضح جمعة أن الكويت تتعامل مع جميع مواطنيها، بمختلف طوائفهم، من خلال مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، ولا ننظر لبعض الطوائف على أنها إرهابية، لدينا دستور وقضاء شامخ يحقق العدالة للجميع.. لذلك، فإننا نرفض هذه الاتفاقية، كما رفضنا ونحن نمثل المنبر الديمقراطي مشاركة قوات كويتية في البحرين في أحداثها الأخيرة، ووقفنا ضد استجواب رئيس الوزراء في هذا الجانب، لأننا لا نقبل نحن- ككويتيين- أن تأتينا قوات غير كويتية تتعامل مع الكويتيين في أي أحداث، لا نقبل المساس بكرامة المواطن الكويتي، سواء من قوات الأمن بالكويت، فما بالك لو كانت تلك القوات غير كويتية!
وخلص إلى أنه «لدينا في الكويت حرية صحافة وعدالة ومساواة وحرية، وهذا غير موجود بالدول الخليجية الأخرى، لدينا دستور عظيم يكفل للجميع حقوقهم وواجباتهم، ويكفل حق المشاركة في صُنع القرار، رغم أنف من يرفض ذلك، لذلك، فإن من يدعي أن الاتفاقية الأمنية لا تتعارض مع الدستور، فهو مخطئ، وأرى أن الاتفاقية الأمنية بشكلها الأخير مجرَّد إعادة صياغة للاتفاقيات الأخرى السابقة التي رفضتها الكويت من قبل. لن نتراجع عن حماية الدستور أو عن الذود عن المقومات الوطنية، وعلينا أن نلتحم ونترك خلافاتنا جانبا للحفاظ على الكويت».
تمزيق المجتمع
من جهته، أثنى أمين عام المنبر الديمقراطي بندر الخيران على تشكيل تكتل «حشد» الذي قام به نواب كتلة العمل الشعبي، مشيراً إلى أنه يُعد خطوة طيبة في العمل السياسي الحزبي، وبداية لتكوين الأحزاب وتكاتف القوى السياسية.
وأضاف «مخاوفنا في محلها من الاتفاقية الأمنية، إنها تتعارض مع مصالح الكويت، نحن بحاجة إلى اتفاقية أمنية يمكنها تحقيق الأمن والأمان للمواطنين ومحاسبة الخارجين على القانون والقبض على المجرمين، علاوة على ذلك، نحن بحاجة إلى اتفاقية تنموية بين دول الخليج تحقق النهضة والرفاهية للمجتمع الخليجي، نحن بحاجة إلى اتفاقيات في مجال النهوض بالصحة والتعليم، وبحاجة إلى اتفاقيات لتحقيق العدالة والمساواة وتعزيز العمل الديمقراطي».
وأكد الخيران أن وصف طائفة معينة من الشعب الكويتي بأنها إرهابية فيه تمزيق للمجتمع.. لذلك، فإن الاتفاقية بهذا الشكل تكرّس للفرقة والتمييز بين أفراد وطوائف المجتمع.. لذلك، فإننا نرفض هذا الاتفاقية.
وزاد «بإمكان دول الخليج تقديم مشاريع واتفاقيات على مستوى تماسك الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة للخليجيين»، مضيفا «كل النظم السياسية موجودة، وعلينا الاقتباس منها، بما يتناسب مع ظروف مجتمعنا الكويتي. نحن نعاني حالة من التشرذم، والأولويات متباينة.. لذلك، نحن نحرص في المنبر الديمقراطي على التضافر وتوحيد القوى السياسية مع الاحترام الكامل للرأي والرأي الآخر.. لذلك، فإن تفاعلنا مهم في كل شاردة وواردة لأجل الحفاظ على الكويت وتحقيق المصلحة العامة».